شؤون لبنانية

غنى الضناوي بطلة المشهد الطرابلسي…فهل تكون شرارة داعمة لحل قضية التحرش الجنسي؟

كتبت جودي الاسمر في جريدة “النهار”:

ليس سهلاً أن تقف أنثى، وتقول “هذا أستاذي، وهو يتحرّش بنا”، وخاصّة حين لا تتمتّع هي سوى بـ”شرعية” تلميذة، فضلاً عن انتقال متلقين تلقائياً إلى شكوك ذكورية من نوع “طيّب، لكن ماذا كنت ترتدين؟ كيف أومأتِ إليه؟” لتنتهي المسألة بتسكيت الفتاة درءاً لفضيحة أنّ أحدهم تحرّش بها.

المتحرّش اليوم “منبوذ” في المزاج ال#طرابلسي الذي عرف في قضيّته ألّا يكون ذكورياً بينما كان ويبقى مجتمعاً محافظاً.

غبيّة ولا لزوم للحديث عن بشاعتها، محاولات المدعوّ أستاذ (سابقاً) في صبّ تحرّشه على تلميذاته وتلامذته، بطلاقةِ من يحسب أنّه لن يدان بالرغم من سهولة إدانته وتعدّد الأدلة، تماماً مثلما كان يعتقد أنّ الأدوار التي يلصقها بنفسه “إعلامي”، “ناشط”، “كاتب” (ربّما؟)، هي ما يجعله محترماً في مدينة ضيّقة تعرف الشاردة والواردة عن أهلها. ويحاول بالرغم من ذلك أن يوجد لنفسه مكانةً فيها من خلال حضوره مناسبات عامة ونشره صوراً لنفسه على المنبر بعد أن ينتهي حفلٌ، وينشئ مجموعات واتساب “سامريات” تنهمر على محادثتها إشعارات “left”. لكن صاحبها لا يتعظ، فينشئ مجموعات أخرى ويضمّ إليها الناس بدون استئذان. هذا الشخص، لا يعرف شيئاً من الخصوصية واحترام المساحات الخاصّة، ولا بدّ أنّه يبيح لنفسه التحرّش بنفس المنظور.

التلميذة الشجاعة غنى ضنّاوي أطلقت الصرخة أولاً في منشورها على “فايسبوك”. ثمّ كُشِف المستور الذي تبين أنّه قابع في ممارسات تحرّش متسلسل لسنوات طويلة، دون أن يجرؤ أحد على كشفها للملأ قبل هؤلاء التلميذات.

ونتيجة هذه الصرخة، فُتح باب الاحتجاج الاثنين الماضي على مصراعيه في ثانوية جورج صرّاف، فاكتظت بالتلامذة والأهالي، ووثّق الإعلام شهاداتهم وهتافهم “ثورة، ثورة”! تحرّك وزير التربية، وبعد التحقيق معه منع المتحرّش #سامر مولوي من مزاولة المهنة، وفي غضون يومين أقيل أيضاً مدير الثانوية الذي كان يقابل شكاوى الضحايا بخفّة الـ”ما حلكن تتعوّدوا عليه”!

لنصغِ مجدّداً: “ثورة، ثورة!”.

لم تهتف التلميذات ولحق بهنّ التلاميذ والأهالي بهذه الصرخة من فراغ. كثيراً ما سمعناها منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول، ثم خفتت شيئاً فشيئاً. وحين باتت تدوّي في احتجاج هنا أو اعتصام هناك، كثيراً ما كنّا نتوقّف عندها لتحليل، هل هذا الموقف أو ذاك هو فعلاً “ثورة”؟

هذه الصرخة، تأخذنا إلى نقاوة الثورة. إلى مشهد “الثورة أنثى”، الذي تقدّمته المرأة في طرابلس ولبنان خلال التظاهرات وكان صوتها يصدح بالحقوق، لأجلها ولأجل كل المجتمع. تأخذنا أيضاً إلى أكبر تظاهرة طالبية سيّارة في لبنان، نظّمها تلامذة ثانويات وجامعيون من طرابلس في 9 تشرين الثاني 2019، واحتشد لها حينذاك أكثر من 2400 مشارك، يردّدون قناعة، لا شعاراً فحسب، أنّ المطلوب “ثورة”.

عادت بنا الصرخة هذه، إلى خيم التثقيف التي انتشرت بعفوية عند ضفاف ساحة عبد الحميد كرامي منذ أكثر من سنتين، وفتحت أفق الشباب على المفاهيم السياسية والاجتماعية، وأيضاً الجندرية. وبات مفيداً اليوم إجراء مسح ودراسة للأدبيات المستخدمة في تصنيف الضحايا والجلادين، أقله على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى نستنتج إلى أي حدّ تزايدت مصطلحات “تقنية” و”علمية” في لغة المستخدمين والكتّاب والصحافيين الشباب.

في هذا السياق، يلفت النظر صديق على فايسبوك إلى مشهد نقله البث المباشر للاحتجاجات في المدرسة: على حائط المدرسة غرافيتي بالسبراي كتب عليه “كل الدعم للناجيات”. وحين سألت تلميذة، “ماذا تعني ناجيات؟”، يردّ عليها تلميذ صف ثانوي أول “هدول البنات تحولوا من ضحايا تحرّش لناجيات تحرّش لأنن حكيوا”.

في المقابل، سمعنا من أحال تحرّر هؤلاء التلامذة من قيود المجتمع لـ”فحص دم” ثقافي، قائلاً إنّه شئنا أم أبينا هو “مستورد” من حملات غربيّة انطلقت سابقاً مثل: “أنا أيضاً”، “افضحي خنزيرك”، إلى ما هنالك من المقاربات “الغربية” التي تستخدمها منظمات المجتمع المدني ووسائل إعلام لبنانية غير تقليدية في قضايا المرأة.

أن يكون المفهوم أو الأسلوب مستورداً لا يعني أنّه غير ملائم ولن يلتئم مع المجتمع اللبناني، ولا يفترض إطلاقاً قصور هذا المجتمع في جهوده بقضايا المرأة، ولا يعني طبعاً أنّ هوامش حرية التعبير التي يفردها الإعلام اللبناني للمرأة والانسان هي “فقط” غربية، وإن كانت كذلك فهي إذاً “فاسدة”. هذا ما أكّدته أدبية الانتفاضة الشعبية التي تتردّد اليوم على لسان الناجيات بهتاف الـ”ثورة، ثورة”، وهي (أي الثورة) شهدت خيم نقاشات وحوارات شبابية صُنعت في طرابلس وأدارها شبابها الّذين لا يعرفون بالضرورة كيف تساق حملات ضدّ التحرّش في باريس ومانهاتن.

وإن كان ولا بدّ من وضع هذه القضيّة في سياق عالميّ، فهي بدون شكّ أبلغ انتصار شهدناه في لبنان بالتزامن مع حملة الـ16 يوماً العالمية لإنهاء العنف ضد النساء، التي يتجدّد معها الإيمان والأمل بـ”الثورة الأنثى”.

(النهار)

المصدر
النهار

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى