شؤون لبنانية

غموض الصواريخ، حادثة منفصلة أم رسائل استراتيجية؟

أثارت الصواريخ مجهولة المصدر التي أُطلقت من الأراضي اللبنانية للمرة الأولى منذ اتفاق وقف إطلاق النار اهتمامًا واسعًا ومتابعة دقيقة من الأطراف المحلية والدولية. ورغم أن إسرائيل تواصل يوميًا انتهاك الاتفاق عبر خروقات متكررة ورفضها الانسحاب الكامل بما يتناقض مع التفاهمات السابقة، فإن التركيز على هذه الصواريخ البدائية يعود إلى توقيتها ورسالتها، فضلًا عن التساؤلات حول الجهة الحقيقية التي تقف وراءها.. فهل كانت مجرد حادثة منفصلة أم أنها تحمل رسائل استراتيجية أبعد؟

فمنذ اطلاقها و حتى اليوم يدور جدلًا واسعًا حول الجهة المسؤولة عن هذه الحادثة، خاصة أن موقع الإطلاق في شمال الليطاني يخضع لرقابة أمنية لبنانية ودولية مشددة. وبالنظر إلى طبيعة الصواريخ المستخدمة، التي بدت بسيطة وغير دقيقة، تبرز ثلاث فرضيات تم تداولها في الايام الأخيرة.

حيث يطرح البعض احتمال أن تكون إسرائيل هي وراء الحادثة، بهدف خلق ذريعة لمواصلة عملياتها العسكرية في لبنان، خاصة مع تصاعد الانتقادات الداخلية والدولية لسياستها الهجومية وردة الفعل المبالغ فيها و التي تمثلت بشن دولة الاحتلال ما يقارب ثمانين غارة على جنوب لبنان. غير أن هذه الفرضية تفتقر إلى المنطق السياسي، إذ إن الصواريخ جاءت في وقت حساس بالنسبة لإسرائيل، التي تحاول إعادة سكان المستوطنات الشمالية وإقناعهم بأن الوضع تحت السيطرة. وبالتالي، فإن التصعيد غير المبرر قد يزيد من حالة الذعر بدلًا من تحقيق مكاسب استراتيجية.

و تشير الفرضية الثانية الى انه ومع استمرار المجازر في غزة، برز احتمال أن تكون الفصائل الفلسطينية هي من يقف وراء إطلاق الصواريخ، كرد فعل على العمليات العسكرية الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يبدو ضعيفًا، نظرًا لبعد المخيمات الفلسطينية عن نقطة الإطلاق، فضلًا عن المراقبة الأمنية المشددة التي تحد من قدرة هذه الفصائل على التحرك المستقل داخل الأراضي اللبنانية.

ومن بين السيناريوهات برز احتمال أن تكون العملية من تنفيذ مجموعة تعمل خارج نطاق القيادة المركزية لـ”حزب الله”. لكن هذا الاحتمال يصطدم بواقع أن الحزب يخضع لرقابة صارمة من الحرس الثوري الإيراني، مما يجعل أي تحرك غير منسق مستبعدًا. كما أن “حزب الله” يدير معركته وفق حسابات دقيقة، ولا يبدو أنه يسعى إلى تصعيد غير محسوب في هذه المرحلة.

من جهة أخرى ،لا يمكن قراءة هذه الحادثة بعيداً عن التطورات الإقليمية، خاصة المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول قضايا النووي والصواريخ الباليستية ودور طهران الإقليمي. ويبدو أن إطلاق الصواريخ قد يكون بمثابة رسالة ميدانية تذكّر بأن أي تسوية سياسية يجب أن تأخذ في الاعتبار واقع التوازنات العسكرية في المنطقة.

كما أن الرد الإسرائيلي، رغم شدته، ظل مضبوطًا ضمن نطاق جغرافي محدد، مما يشير إلى أن إسرائيل لا تزال تحافظ على قواعد الاشتباك التي لا تؤدي إلى تصعيد غير محسوب مع حزب الله. وهو ما يدعي الى التساؤل عن وجود تفاهمات غير معلنة بين الأطراف الفاعلة، حتى في ظل العداء و الصراع العلني.

اما داخليًا، ففتحت هذه الحادثة الأبواب أمام تساؤلات حول تأثيرها على الاستقرار اللبناني، خاصة في ظل تشكيل حكومة جديدة تستعد لمواجهة استحقاقات سياسية وانتخابية حساسة ومع اعلان رئيس الحكومة نواف سلام يوم امس خلال مقابلة تلفزيونية ان زمن املاءات حزب الله على الدولة قد ولّى حاسماً حصر السلاح بيد الدولة. وقد يؤدي التصعيد العسكري إلى تعقيد المشهد السياسي، خصوصًا إذا ما استُخدمت هذه الحادثة كورقة ضغط في الداخل اللبناني.

في النهاية، يبدو أن إطلاق الصواريخ المجهولة لم يكن مجرد حادثة عشوائية، بل هو جزء من لعبة التوازنات الإقليمية والدولية. وبينما تبقى هوية الفاعل غير مؤكدة، فإن الرسالة السياسية واضحة: أي تسوية في المنطقة لا يمكن أن تتم دون الأخذ بعين الاعتبار للواقع الميداني في لبنان وسوريا وغزة. والسؤال الذي يبقى مطروحًا هو: هل ستكون هذه الحادثة مقدمة لمزيد من التصعيد، أم أنها مجرد خطوة ضمن تكتيكات الردع المتبادل؟

*رأي سياسي*

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى