رأي

غزة والإغاثة المقيدة

كتب يونس السيد, في الخليج:

المشاهد الصادمة والمتتالية عن حالة القتل والمجاعة المنتشرة في قطاع غزة لم تعد تحتمل العثور على الإبرة التي سقطت في كومة القش، وهو التعبير الذي جاء بمثابة صرخة أطلقها المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني، فمن يسقط الآن في كومة القش هم الأطفال وكبار السن وحتى الشباب بعد أن فرغ القطاع حتى من الأعشاب وعلف الحيوانات.

لكن بعيداً عن هذه المشاهد، ربما يتساءل البعض عن جدوى إدخال بعض المساعدات بعد ما يقارب الثلاثة أشهر من المنع والحصار المطبق، طالما أنها مغمسة بالدم، كما يقولون، حيث يقتل الكثيرون أثناء تجمعهم حول بعض الشاحنات، أو عند محاولاتهم الحصول على بعض الطعام من نقاط التوزيع الخيرية، أو يتم تسهيل نهبها على يد عصابات الإجرام. من المؤكد أنه لا يوجد خيار آخر لأكثر من مليوني فلسطيني يتضورون جوعاً كما تصفهم كل الجهات الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة.
لكن بالمقابل، تسعى إسرائيل إلى تجاوز الانتقادات الدولية التي تعالت مؤخراً، والتحذيرات التي صدرت عن جيشها نفسه من حدوث كارثة إنسانية جماعية، بإدخال بعض شاحنات المساعدات، في محاولة مكشوفة لذر الرماد في العيون، مع وضع كل القيود والعراقيل التي تحول دون وصولها إلى المحتاجين، كما حدث مع برنامج الغذاء العالمي وغيره من المنظمات الأممية والدولية.
وفي استدارة حول هذا الموضوع، تم الإعلان عن إنشاء مؤسسة إغاثة غزة بدعم من الولايات المتحدة، لتهميش وإبعاد القنوات التقليدية عبر الأمم المتحدة والهيئات الدولية، مع إعطاء الجيش الإسرائيلي دوراً رقابياً، وفق الخطة المعلنة، على توزيع المساعدات، لكنها في النهاية تمنح الجيش الإسرائيلي وضع الإشراف الكامل على المساعدات وتوزيعها، من خلال الآلية التي سيتم اتباعها عبر إنشاء أربعة مواقع للتوزيع، ثلاثة منها في جنوب القطاع وواحد في الوسط. وإذا كان الجيش الإسرائيلي سيبتعد قليلاً عن محيط هذه المواقع، بموجب الخطة، فإن توزيع المساعدات يمر عبر معابر يحددها الجيش الإسرائيلي نفسه، وتنقل تحت إشراف جهات تعمل وفق تعليماته.
في حقيقة الأمر، يتجاوز جوهر هذه الخطة البعد الإنساني إلى البعد السياسي والأمني، وهو يتمحور حول كيفية إحكام السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، من خلال استخدام أدوات مدنية وإنسانية. ويستهدف، في نفس الوقت، تقويض عمل الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية، التي رفضت التعاون مع خطة مسيسة مئة بالمئة وتمييزية تتداخل فيها المصالح التجارية والأمنية، وتوفر بيئة مؤاتية لإسرائيل في سعيها لاحتلال قطاع غزة، عبر حصر المساعدات في مناطق معينة وترتيب عملية إدخالها وتوزيعها بعيداً عن القنوات التقليدية.
ولعل البعد الأخطر في هذه الخطة هو دفع الفلسطينيين من شمال ووسط القطاع إلى جنوبه وحشرهم هناك بانتظار خلق الظروف الملائمة لتهجيرهم إلى الخارج. حتى الآن، لا يزال الناس يتساقطون في غزة من دون أن يعثروا على الإبرة التي سقطت في كومة القش.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى