رأي

غزة.. لحظة العار الجماعي ومأزق إسرائيل الدولي

كتب د. عبدالله أحمد آل علي, في الخليج:

في هذه اللحظة المأساوية من تاريخ الإنسانية، تتحول غزة إلى شاهد حي على مأساة غير مسبوقة، حيث تمارس إسرائيل سياسة التجويع الممنهج والقصف العشوائي الذي يتجاوز كل حدود الأهداف الاستراتيجية والعسكرية.
وما يحدث لم يعد مجرد صراع سياسي أو نزاع إقليمي، بل أصبح اختباراً أخلاقياً ومعياراً يقيس مدى التزام المجتمع الدولي بالقيم الإنسانية التي طالما تباهى بحمايتها.
لقد وصف مسؤول رفيع في الأمم المتحدة هذا الواقع المرير بأنه «لحظة عار جماعي»، في إشارة إلى حجم الفاجعة التي لم تعد تُقاس فقط بعدد الضحايا والمشرّدين، بل بما تكشفه من انهيار المنظومة الأخلاقية في النظام الدولي.
إنّ السياسة الإسرائيلية في غزة اليوم تعكس تعنتاً متصاعداً وتخبطاً استراتيجياً أوقعها في مأزق دولي غير مسبوق. فبينما كانت تسعى إلى فرض معادلات القوة عبر الحصار والقصف، وجدت نفسها في مواجهة عزلة دولية متنامية وضغوط سياسية وقانونية متزايدة في المحافل الأممية والمحاكم الدولية.
لقد تحوّل الحصار إلى أداة تكشف عجز إسرائيل عن التمييز بين الأمن المشروع وسياسة العقاب الجماعي التي تُجرّمها القوانين الدولية. المأزق هنا ليس أمنياً فحسب، بل استراتيجي ودبلوماسي أيضاً، إذ فقدت إسرائيل القدرة على إقناع الرأي العام العالمي بشرعية ما تقوم به، وأثارت استياءً واسعاً حتى لدى شركائها التقليديين الذين باتوا يجدون أنفسهم مضطرين إلى مراجعة مواقفهم. وبهذا، فإن ما يحدث في غزة لا يضر بالمدنيين وحدهم، بل يهدد أيضاً صورة إسرائيل وعلاقاتها الاستراتيجية على المدى البعيد.
المجتمع الدولي بمؤسساته، من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، لم يعد أمامه ترف الانتظار. فقد تجاوزت المأساة كل الحدود، وتشير التقارير الميدانية إلى كارثة إنسانية آخذة في الاتساع، مع تدهور غير مسبوق في الخدمات الطبية والغذائية، وحرمان مئات الآلاف من أبسط مقومات الحياة.
وبحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الذي تشارك فيه الأمم المتحدة، فقد تم إعلان حالة مجاعة رسمية في محافظة غزة، مع توقع انتشارها إلى محافظتي دير البلح وخان يونس بحلول نهاية أيلول/سبتمبر 2025. وتشير التقديرات إلى أن نحو 641 ألف شخص، أي ما يقارب ثلث السكان، سيواجهون ظروفاً كارثية تُصنّف ضمن المرحلة الخامسة، وهي الأعلى والأخطر في سلم التصنيف الأممي لانعدام الأمن الغذائي.
إن الصمت أو الاكتفاء ببيانات الشجب لم يعد كافياً، بل أصبح شكلاً من أشكال التواطؤ غير المباشر. إننا اليوم أمام فرصة ومسؤولية في آن واحد: فرصة لإثبات أن النظام الدولي لا يزال قادراً على حماية القيم التي تأسس عليها بعد الحرب العالمية الثانية، ومسؤولية في حماية المدنيين الذين يدفعون ثمناً باهظاً لصراع لا يملكون فيه قرار الحرب ولا خيار السلم. التدخل الدولي الفاعل، سواء عبر آليات الضغط الدبلوماسي أو فرض عقوبات أو حتى تحركات إنسانية عاجلة، لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة أخلاقية لا تحتمل التأجيل.
لقد حانت اللحظة التي يجب أن يقف فيها المجتمع الدولي وقفة حاسمة، ليؤكد أن الكرامة الإنسانية ليست قابلة للمساومة، وأن الحصار والتجويع لا يمكن أن يكونا أدوات شرعية في أي نزاع. غزة اليوم ليست فقط قضية فلسطينية أو عربية، بل قضية إنسانية كبرى، تمثل اختباراً صارخاً لضمير العالم بأسره.
وخاتمة القول: في مواجهة هذا «العار الجماعي»، يصبح الصمت انحيازاً، والتأجيل خيانة للقيم الإنسانية. آن الأوان أن يقول المجتمع الدولي كلمته الفصل: كفى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى