غزة.. ستغير العالم
كتب محمد سلامة في صحيفة الدستور.
اعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان بدولة إسرائيل في 14/مايو أيار/1948م، دون تقديم مساعدات عسكرية لها، وفي بداية الستينات تطورت العلاقة بينهما إلى أقل من شراكة، لكنها اتسمت بأول توريدات لذخائر وطائرات اف4 ودبابات أمريكية وو.. .إلخ، دون الالتزام بتفوقها العسكري، فيما كانت فرنسا وبريطانيا أهم حليفين لها في المنطقة.. .والسؤال.. هل تخسر إسرائيل الثالثة أمريكا وأوروبا.. وبعبارة أخرى هل ستغير حرب غزة العالم؟!.
في 1982م، تطورت العلاقة «الامريكية–الإسرائيلية «إلى شراكة عميقة بالتزام قدمه الرئيس الأمريكي ريغان إلى رئيس وزراء إسرائيل انذاك مناحيم بيغن، عنوانه ضمان التفوق العسكري النوعي الاسرائيلي على العرب، واستندت هذه العلاقة إلى القيم المشتركة.. الديمقراطية والحريات و.. .الخ، وظلت هذه العلاقة تتطور في كافة المجالات، إذ زادت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل الثالثة عن (160) مليار دولار.. مساعدات أمنية.. عدا المساعدات الأخرى، واضحت اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة تلعب دورها في تحديد مسارات الانتخابات الأمريكية، ظل هذا.. إلى أن جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل الثالثة واعترف بالجولان السوري كارض إسرائيلية، وبعد خسارته انتخابات 2020م، انحى باللائمة على يهود أمريكا لتخليهم عنه، مما حدا به لمهاجمتهما متهما اياهم بولائهم لإسرائيل الثالثة وليس لأمريكا، وهنا وجهت له اتهامات بمعاداة السامية، واضحى يقارع اللوبيات الصهيونية في أمريكا ولا يزال.
الرئيس الأمريكي جو بايدن نحج في انتخابات 2020م، لكن علاقاته مع حكومة نتنياهو السادس ظلت فاترة نظرا لتوليفة الحكومة الإسرائيلية وخاصة ضم حزبي العظمة اليهودية لابن غفير والصهيونية الدينية لسموترتش، ولم تتم دعوة نتنياهو السادس إلى البيت الأبيض، فيما امتنع نتنياهو السادس عن تهنئة الرئيس بايدن بالفوز، وظلت العلاقة صامتة والخلافات تتداول ضمن مسارات ديبلوماسية بعيدا عن الإعلام، وزادها تقديم وزير العدل ياريف ليفين قانون أساس بالغاء حجة عدم المعقولية مما فسره مراقبون على انه انتكاس للديمقراطية وصعود للدولة اليهودية القومية الديكتاتوية.
7/أكتوبر/2023م، نفذت كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس غزة) عملية مفاجئة على الجيش الاسرائيلي بغلاف غزة، هنا اختار الرئيس الأمريكي بايدن أن يحتضن إسرائيل الثالثة محيدا الخلافات جانبا ومبررا ما ستقوم به دفاعا عن النفس، لكن الأمور تغيرت لهمجية إسرائيل الثالثة وقتلها العشوائي للمدنيين الفلسطينيين، مما حدا بالرئيس بايدن إلى دعوتها لتجنب قتل المدنيين الفلسطينيين، لكنها راوغت وحاولت التضليل واستفادت من منع تمرير قرارات دولية ضدها بمجلس الأمن الدولي، ومع استمرار العدوان على غزة ازدادت الانتقادات الأمريكية، مما حدا بالرئيس بايدن إلى المطالبة بتغيير نتنياهو السادس لحكومته وتغيير سياساته والبحث في اليوم التالي للحرب، وهنا تكشفت سياسات إسرائيل الثالثة بأنها وراء افشال السلام ولا تريد دولة فلسطينية مجاورة لها ولا تقيم وزنا لعلاقاتها مع واشنطن إلا من باب مصالحها، .والأهم أن لوبيات صهيونية أمريكية نددت باليمين الاسرائيلي وطالبت إدارة بايدن بالضغط على إسرائيل الثالثة لوضع حد لحربها على غزة.
الجناح المتقدم بالحزب الديمقراطي.. جيل الشباب.. لا يثقون بصداقة إسرائيل الثالثة، ولدى الحزب الجمهوري أصوات صاعدة ضد إسرائيل الثالثة (اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو السادس)، ومما يمكن استخلاصه سياسيا وامنيا واقتصاديا، أن نقطة التحولات في العلاقات «الإسرائيلية الأمريكية « تجلت بحرب غزة وانكشاف مدى الخلافات بينهما، .. واشنطن تريد استقرار المنطقة بإقامة دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل الثالثة وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة، وتريد أن لا تَرى اليمين المتطرف باسرائيل الثالثة، فيما حكومة نتنياهو السادس وائتلافه المتطرف يجاهرون علنا بأن إسرائيل الثالثة ليست نجمة إضافية على العلم الأمريكي.. والخلافات تتسع وتزداد ويصعب ردمها والجيل الشاب في الحزبين الجمهوري والديمقراطي ليسا على قناعة بإستمرار التحالف مع إسرائيل الثالثة.
هذا كله يضاف له نقطة هامة أن هيمنة الإعلام والفضائيات الأمريكية التقليدية (الموالية لإسرائيل الثالثة) على الشعب الأمريكي تراخت بوجود السوشال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي وفضائيات منافسة، كما تراجعت الرواية الإسرائيلية في أوروبا وامريكا اللاتينية وما حجم المظاهرات العالمية إلا مؤشرا على بدايات تفكك السردية الصهيونية في العالم.. .ويبقى السؤال .. هل تخسر إسرائيل الثالثة أمريكا وأوروبا والعالم الحر.. وبعبارة أخرى هل تغير غزة العالم؟!.
الجواب.. نعم وحرب غزة ستغير وجه العالم، وطبعا فإن إسرائيل الثالثة اليوم ليست الضحية بل اضحت الجلاد وتبين زيف سرديتها عند جيل الشباب في أمريكا وأوروبا والعالم الحرس.