أبرزرأي

غزة بين رغبات نتنياهو… والاستنزاف الطويل

حسين زلغوط – خاص “رأي سياسي”:

في تطور خطير على مسار الحرب المستمرة في قطاع غزة، اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريحات نُشرت مؤخّرًا، احتلال القطاع بالكامل كحلّ “نهائي” للقضاء على حركة “حماس” وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة منذ أكثر من عامين.

ورغم أنه لم يصدر أي قرار رسمي، إلا أن مسؤولًا إسرائيليًّا كبيرًا بحكومة نتنياهو نقلت عنه “القناة 12” الإسرائيلية، بأن “القرار اتُّخذ”، وأن إسرائيل “سوف تبدأ باحتلال قطاع غزة كاملًا هذا الأسبوع”، لكن تقارير إعلامية ألمحت إلى أن هذه التصريحات قد تكون جزءًا من “تكتيكات التفاوض” للضغط على حركة حماس.

وما من شك أن نتنياهو ما كان ليفكّر بمثل هذه الخطوة لو لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعطاه الضوء الأخضر للشروع في هذه العملية، مع أن هناك وزراء يمينيين يضغطون من أجل احتلال قطاع غزة بالكامل، في حين أن الجيش الإسرائيلي حذّر القيادة السياسية في تل أبيب من أن هذا سيلحق الضرر بالرهائن الإسرائيليين. وهذا يعني وجود معارضة من قبل الجيش الإسرائيلي لهذه الخطوة، فيما تُصرّ القيادة السياسية على ذلك، وقد وصل الأمر إلى حد التلويح بالطلب من رئيس الأركان إيال زمير بالاستقالة.

ويرى مراقبون أن اقتراح نتنياهو يأتي في سياق محاولة لتهدئة الجناح اليميني المتشدد داخل ائتلافه الحاكم، لا سيما وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يطالبون بتوسيع الحرب وعدم قبول أي تسوية أو وساطة، في ظل تصاعد الضغوط المحلية والدولية على الحكومة.

لكن السؤال: هل سيكون في مقدور جيش العدو الإسرائيلي قضم قطاع غزة بسهولة؟

من المعلوم أن قطاع غزة يمتد على مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، لكنه يضم أكثر من 2.3 مليون نسمة، يعيشون ضمن واحدة من أعلى الكثافات السكانية في العالم.

هذا الواقع يجعل من أي عملية برية شاملة مهمّة بالغة الصعوبة، خصوصًا في ظل تغلغل البنية التحتية العسكرية للمقاومة في قلب الأحياء السكنية.

وفي حال نفّذ نتنياهو رغباته، فإن الاحتلال الكامل لن يقتصر على تدمير الأنفاق والمقار العسكرية، بل سيتطلب إدارة يومية لحياة المدنيين، والسيطرة على المعابر، وضبط الأمن الداخلي، ومواجهة مقاومة شعبية مستمرة قد تأخذ طابع حرب العصابات.

وفي ظل تعقيدات الاحتلال الكامل، تبرز مقاربات بديلة داخل غرف القرار الإسرائيلي، أبرزها:
السيطرة الميدانية المحدودة، مع الإبقاء على هامش عمليات خاص في عمق القطاع تستهدف قادة الفصائل عند الضرورة، دون تحميل الجيش عبء الإدارة اليومية للمنطقة.

كما أن الاحتلال الكامل للقطاع يضع إسرائيل أمام مسؤوليات قانونية وإنسانية كبرى بموجب اتفاقيات جنيف، حيث تُصبح ملزمة بتوفير الحماية والخدمات لسكان القطاع، الأمر الذي يهدّد بفتح جبهة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية، ومحكمة الجنايات الدولية، خصوصًا في حال وقوع مجازر أو انتهاكات موثّقة.

نخلص إلى القول إن الاحتلال الكامل لقطاع غزة، وإن كان ممكنًا من الناحية العسكرية، يبدو شديد الخطورة على المستويين الاستراتيجي والإنساني. فهو يضع الجيش الإسرائيلي في موقع استنزاف طويل الأمد، دون ضمان تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إنهاء “حماس” وضمان الأمن الدائم للمستوطنات الجنوبية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى