غزة بين الأمن والسياسة والتحديات الإقليمية

كتب علي أبو حبلة في صحيفة الدستور.
يتجلى الخلاف الأميركي – الإسرائيلي حول «المرحلة الثانية» من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كخلاف استراتيجي حول جوهر الرؤية وآليات التنفيذ، وليس مجرد اختلاف تكتيكي أو مرحلي. هذا الخلاف يعكس التباين في أولويات الطرفين: حيث تسعى الولايات المتحدة إلى استثمار المرحلة الثانية في ترسيخ استقرار إقليمي وربط قطاع غزة بمحاور سياسية واقتصادية أوسع، فيما تركز إسرائيل على تحقيق أهدافها الأمنية المباشرة دون التزامات سياسية تُقيد قدرتها على المبادرة والسيطرة الميدانية.
محاور الخلاف الاستراتيجي
1. الأهداف الأمنية مقابل الرؤية الإقليمية
الولايات المتحدة تعتبر أن الاستقرار في غزة يرتبط بإعادة بناء البيئة المدنية، وتعزيز حوكمة محلية فعّالة، إلى جانب إشراك اللاعبين الإقليميين والدوليين لضمان استدامة الحلول ومنع العودة إلى العنف.
إسرائيل ترى أن أي تسريع في تنفيذ الرؤية الأميركية قد يمنح حركة «حماس» أو الفصائل الفلسطينية الأخرى هامشاً للبقاء تحت غطاء دولي أو مدني، مما يشكل تهديداً طويل المدى لأمنها، وتتمسك بتفكيك القدرات العسكرية للفصائل قبل أي تقدم اقتصادي أو مدني.
2. الرؤية الأميركية – التدرّج في التطبيق والتنسيق الإقليمي
ترتكز واشنطن على رؤية شاملة، تربط بين الاستقرار المدني والأمني والسياسي، وتشمل:
تدرّج في نزع سلاح «حماس» بالتوازي مع انسحاب القوات الإسرائيلية.
إنشاء بديل مدني فلسطيني مؤهل بعد إصلاح السلطة، لتوفير غطاء شرعي وحماية المسار من العودة إلى الفوضى.
إشراك دول إقليمية (مصر، قطر، تركيا) ودولية في إعادة الإعمار والقوة متعددة الجنسيات، لضمان نجاح الترتيبات واستدامتها.
3. الرؤية الإسرائيلية – التركيز على الأمن والسيطرة الميدانية
تركز حكومة نتنياهو على:
تفكيك «حماس» ونزع سلاحها بشكل كامل.
ربط أي دعم مالي واقتصادي بتحقيق أهداف نزع السلاح والرقابة الأمنية.
تقييد دور الدول الإقليمية والدولية في القوة المتعددة الجنسيات، لضمان السيطرة الإسرائيلية وعدم فرض أي تنازلات مستقبلية تحت عنوان «الإجماع الدولي».
ترفض أي تعاون مباشر مع السلطة الفلسطينية، حتى بعد الإصلاح، خشية التهم السياسية الداخلية واتهام القيادة بالخيانة أمام القاعدة اليمينية.
4. التحديات العملية
الخلاف يهدد تشكيل البديل المدني والسياسي في غزة، ويؤخر أي مشاريع إعادة إعمار مستدامة.
استمرار الخلاف قد يخلق ثغرات أمنية تستفيد منها «حماس» لإعادة بناء قدراتها العسكرية، خصوصاً إذا تراخى التنسيق حول القوة الدولية وإعادة الإعمار.
على الصعيد الإقليمي، يعكس التباين صعوبة الجمع بين الرؤية الأميركية الواسعة وبين نهج إسرائيل الأحادي، ما قد يثير توترات ضمن التحالفات العربية والدولية.
الرهان الاستراتيجي
على الرغم من التباين، يبقى الرهان على قدرة الطرفين على إدارة الخلافات دون تصعيد. الولايات المتحدة بحاجة لإسرائيل لضمان نجاح الرؤية الإقليمية، وإسرائيل بحاجة للغطاء الأميركي لضمان أمنها واستمرار السيطرة. الاختلاف الحالي ليس في الأهداف النهائية، بل في النهج وآليات التنفيذ، بما يشمل ما بعد الحرب في غزة ومرحلة إعادة البناء.
خلاصة: الخلاف الأميركي – الإسرائيلي حول المرحلة الثانية من اتفاق غزة يسلّط الضوء على صراع بين الأمن والسياسة، بين الرؤية الإقليمية الشاملة وضرورة ضبط المصالح الأمنية المباشرة. إدارة هذا الخلاف بنجاح تتطلب تنسيقاً دقيقاً، توافقاً مرحلياً، وربما تنازلات متبادلة، لضمان أمن إسرائيل واستقرار غزة، واستمرار المسار الإقليمي الذي تطرحه الولايات المتحدة.




