صدى المجتمع

غابات تونس اقتصاد الطبيعة المتواري في ظل الأشجار.

تمتد الغابات في تونس على نحو ستة ملايين هكتار (60 ألف كيلومتر مربع)، أي ما يعادل 34 في المئة من مساحة البلاد، منها أربعة ملايين هكتار (40 ألف كيلومتر مربع) من المراعي، بينما يبلغ عدد سكان الغابات نحو مليون ساكن، أي ما يمثل سبعة في المئة من مجموع السكان، وتسهم بـ1.33 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، و14 في المئة من الناتج الفلاحي.

وتعد الغابات مورد رزق لآلاف من سكان المناطق الريفية والغابية، حيث يعتمدون على استغلال منتجاتها مثل الصنوبر والفلين والزعتر والإكليل الجبلي، وكذلك الخروب والزقوقو والبندق.

وتستهدف النساء نباتات الغابات لاستخدامها في التقطير واستخراج الزيوت، وكذلك جمع نبتة الحلفاء وبيعها، في حين يعمل الرجال في الحطب من خلال استغلاله لصنع الفحم أو جمع حبات الزقوقو وبيعه، إضافة إلى الفطر الجبلي والأشجار التي تدر ربحاً على المواطنين.

تهديدات طبيعية

تحدث صاحب إحدى الضيعات الفلاحية (المزارع) الموازية للغابات في منطقة وشتاتة بولاية باجة عاطف فرحاتي، واصفاً علاقته بالغابة بأنها “الروح والمتنفس والأم ومورد الرزق”، مضيفاً “فتحت عينيَّ على منظرها الساحر، ولعبت بين أشجارها، ولما اشتد عودي سكنتها واستثمرت فيها من خلال تربية النحل وبيع العسل وإنتاج القوارص”.

عاطف من سكان “الفراحتية” ويقضي جل وقته تقريباً في الغابات، حيث يقول “لا ارتاد المقاهي، لأن المتنفس بالنسبة إليَّ هو الغابة وسحرها ورحيق أزهارها”، لافتاً إلى اختلاف هذا السحر خلال فصول العام، متابعاً “في الشتاء رونق يختلف عن الربيع، لأنها تتلحف بالضباب صباحاً، ثم يتبخر مع بروز أول خيوط أشعة الشمس لتتكون إثرها الغيوم الماطرة فتبعث في الأمل وينهمر المطر وتنساب جداول المياه المحاذية لمنزلي”.

واستدرك المتحدث “في الصيف تتحول الغابة إلى جحيم لا يطاق، حيث تهددنا الحرائق في أي لحظة، ولا أخلد للنوم حلال أيام جمرة القيظ، حيث أترصد تلك اللحظة التي تندلع فيها النيران لأهرب بجلدي وأحمي أبنائي وعائلتي وأغنامي وبيوت النحل، وأتابع الأخبار وذهني شارد مشدود إلى صور تمر في مخيلتي عن ألسنة اللهب وهي تلتهم كل شيء يعترضها”.

خسر عاطف في الحرائق الأخيرة التي اندلعت في عدد من غابات تونس، ضيعته الفلاحية المكونة من نحو 200 شجرة قوارص، كما التهمت النيران بعض بيوت النحل، طالباً من السلطات تشييد طريق حزامية تحمي منطقة “الفراحتية” من النيران عند اندلاعها في الغابة المجاورة، حتى لا يتضرر السكان.

اقتصاد متعدد

من نفزة بمحافظة باجة يقول محمد سلطاني “الغابة سندي، أرعى فيها أغنامي، وهي التي حققت أحلامي في تكوين أسرة، إضافة إلى مشروع فلاحي متواضع يتكون من قطيع أغنام وعدد من بيوت النحل”.

ويبيع سلطاني زيت القضوم الذي يتم استخراجه من إحدى أشجار الغابة، والمفيد لمرضى الربو والسعال الحاد، بخاصة في فصل الشتاء، كما يقطع من بعض الأشجار الحطب ليحوله إلى فحم يبيعه في السوق الأسبوعية أو لأحد الوسطاء.

وتقوم زوجة محمد بتجميع نبتات الإكليل والزعتر من الغابة ثم تتولى تقطيرها وبيعها على الطريق الرئيس الذي يشق الغابة، لتوفير بعض الأموال التي تساعد بها زوجها في النفقات المعيشية.


وتعمل الزوجة أيضاً على استخراج زيت القضوم من ثمار نبتة الضرو، حيث يتم طحنها واستخراج الزيت منها، وهو زيت قوي المذاق وذو طعم مر، إلا أنه يستعمل في علاج كثير من الأمراض، بخاصة الصدرية منها، كما يعالج السعال الحاد والمزمن، ويطهر العيون من الشوائب، إضافة إلى أنه يستخدم في علاج الإسهال والمغص المعوي وطرد الغازات من الجسم.

تمثل الغابة متنفساً لسكان المنطقة، إلا أن فصل الصيف مخيف، حيث تهدد الحرائق السكان خلال شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) كل عام، لذلك يدعو محمد سلطاني إلى زيادة عدد حراس الغابات وتنظيف محيطها، وكذلك فتح ممرات لتسهيل الخروج بوسائل النقل عند اندلاع أي حريق.

تدوير الشمع

في محافظة جندوبة (شمال غربي تونس) تعمل انتصار المرسني على مشروع إعادة تدوير شمع النحل، حيث تنتج منتجات إيكولوجية عدة مستخرجة من زيوت القضوم والعسل، وكذلك الزيوت الأساسية مثل الصابون الطبيعي، إضافة إلى حبوب اللقاح والعكبر والغذاء الملكي.

وتعد الغابة ثروة طبيعية ثرية ومتنوعة بالمنتجات الطبيعية، كما أنها درع ضد التغيرات المناخية، حيث تحد من الاحتباس الحراري، وتحمي التربة من الانجراف، إضافة إلى ما توفره من تنوع بيولوجي، إلى جانب أنها تسهم في رفد النشاط الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل مصاحبة للمنتجات الحيوانية والنباتية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى