عون يفرض أجندته ويُمسك بحكومة ميقاتي… أيّ دور لـ”حزب الله” بحرب السيطرة على “الدولة”؟
كتب ابراهيم حيدر في “النهار” :
تُنذر المعركة التي يخوضها رئيس الجمهورية #ميشال عون ضد حاكم #مصرف لبنان #رياض سلامة، بأن الأمور في البلد ذاهبة إلى مزيد من التصعيد، بما قد يؤدّي إلى تأجيل الانتخابات وفرض أمر واقع يكون التمديد عنوانه الرئيسي. فحالة الانهيار المستمرة في البلد أثبتت عجز حكومة نجيب ميقاتي عن التقدّم في أيّ خطوة لمعالجة الملفات التي تهم اللبنانيين، وكشفت عن ضعفها في ضوء التحكم السياسي بقرارها وقدرة عون على فرض أجندته بالتحالف مع “#حزب الله”. وقد كان واضحاً أن اجتماع الحكومة الأخير الذي خُصّص لمعالجة تداعيات القرارات القضائية ‒ المصرفية الأخيرة، لم يخرج بنتائج إيجابية، ذلك أن الجلسة التي عُقدت في السرايا الحكومية لا يمكنها أن تقرّر في شأنٍ يتولّاه رئيس الجمهورية في غيابه، وهي وفق مصدر سياسي مطلع تعكس حجم الأزمة وعدم قدرة رئيس الحكومة على ممارسة صلاحياته، أو إعلان مواقف صدامية، فيستمر في سياسة إرضاء الجميع ويفقد الكثير من دوره في رئاسة الحكومة.
في الحرب المفتوحة على مصراعيها، تتحضر القوى للانتخابات النيابية وكأنها قائمة فعلاً، على الرغم من أن ثمة من يعتقد أن هذا الاستحقاق قد يتأجّل لأسباب داخلية وخارجية، فالمعركة التي يخوضها عون مع سلامة وتهدف إلى محاكمته، لا تقف عند هذه الحدود، حيث القرارات القضائية الأخيرة المرتبطة بمعركة عون، بتوقيف شقيق سلامة وحجز أموال عدد من المصارف، تفتح على احتمال الانفجار الحكومي حول العديد من الملفات الاخرى، بما فيها محاولات التيار العوني الإطباق على مجلس الوزراء ومصادرة صلاحياته. لكن المشكلة بدأت مع تأليف الحكومة،. ففي المفاوضات كان عون اشترط على ميقاتي وفق المصدر، الموافقة على إقالة سلامة، بعد تشكيل الحكومة مباشرة، لكن الرئيس المكلف حينها رفض ثم تعهّد بحلّ الموضوع بعد أن تنطلق الحكومة في عملها، ليعود عون ويذكّر ميقاتي قبل الجلسة التي عُقدت لتسوية الملفّ القضائي ‒ المصرفي، بضرورة التزامه تعهّداته، ولهذا السبب فشلت الحكومة في التقدّم بمعالجة الملف.
المشكلة أن ميقاتي يتمسّك برئاسة الحكومة من دون أن يكون قادراً على معالجة أيّ ملفّ أو اتخاذ موقف حاسم، لا في الكهرباء ولا التعيينات، وبما أنّه عزف عن المشاركة في الانتخابات النيابية، فإنه تحرّر من معارك تقتضي أن يكون له دور في بيئته السياسية السنيّة، واتخاذ مواقف صدامية، فرضي بأن يبقى رئيساً للحكومة في ظل ميشال عون الذي يخوض حروبه حتى النهاية، فيسعى ميقاتي إلى إرضائه و”حزب الله” ويُبقي علاقته مع الدول الخليجية ضمن الحدّ الأدنى، ويتواصل مع الفرنسيين وأيضاً الأميركيين من دون أن يعلن موقفاً حاسماً في المشكلات التي يعانيها لبنان، وهو ما يؤثر سلباً على وضع الحكومة وعلى البلد ويزيد من عمق الأزمة القائمة في ظل الانهيار.
تدلّ الوقائع في الحرب المعلنة، على أن رئيس الجمهورية ومعه صهره رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل، نجحا في الإمساك بالحكومة بالتحالف مع “حزب الله” الذي قرر دعم باسيل في الانتخابات، وأفادا من التحرك بهامش سياسي واسع من موقع الرئاسة. تمكن الاثنان من إدارة المعركة ضد خصومهما المسيحيين، خصوصاً، وأحرجا الجميع في ملفي التدقيق الجنائي وخطة الكهرباء وحتى في التعيينات، ثم جاءت القرارات القضائية الأخيرة لتقلب الطاولة. واتهما الآخرين بعرقلة إقرار الملفات، والدليل على ذلك أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يستطع التقدم في إقرار أيّ ملفّ وانخرط في لعبة التعيينات، فيما تولى عون إدارة جلسات مجلس الوزراء والقرارات التي تصدر عنه.
تشير التطورات إلى أن الصراع القضائي ‒ المصرفي، يحمل أبعاداً سياسية لها علاقة بالاستحقاقات المقبلة، وهو مرشح لأن يستمر إلى حين إطاحة حاكم مصرف لبنان، أولاً انطلاقاً من حسابات رئيس الجمهورية، الذي نجح في وضع سلامة في مواجهة القضاء، وهو سيستثمره كإنجاز للعهد، وثانياً مصلحة “حزب الله” في معركته مع المصارف، وأيضاً وضعه في الحكومة كمقرّر ومساهم في التغطية على مشاريع عون، وهو يسعى إلى إعادة هيكلة المصارف وتخفيف ضغوط العقوبات عليه، علماً بأن مواجهة المصارف بهذه الطريقة قد تكون لها نتائج سلبية على المودعين، وإن كانت تمنح حالياً العونيين و”حزب الله” قوة شعبية، فإنها غير محصّنة تشريعياً لا بقانون “الكابيتال كونترول” ولا بغيره وهي لا تؤدّي إلى استعادة المودعين لأموالهم. ولذا يتبيّن أن المعركة هي لتصفية الحسابات والسيطرة على هذا القطاع بما فيها مصرف لبنان.
الخطر اليوم يكمن في الحروب المفتوحة التي تُخاض على حساب المعالجة الحقيقية للأزمات، وهي تجري قبل الاستحقاق الانتخابي لفرض وقائع على الانتخابات نفسها تحضيراً لمعادلة جديدة في التركيب السياسي في البلد. “حزب الله” يخوض معركته الانتخابية مثلاً ويعتبرها منعطفاً للإمساك بالأكثرية، ويعطيها في الوقت نفسه أبعاداً إقليمية ويربطها بمعركته العسكرية مع إسرائيل وأيضاً مع الأميركيين ويتهمهم بالتدخل في الانتخابات. وعلى هذا يسعى للفوز مع حلفائه وتثبيت شرعية انتصاره وتكريس قوته كصاحب البتّ في الأمور كلها بما فيها الملفات المتعلقة بالخارج، من دون أن يتجه في الوقت الحالي إلى الإمساك بالسلطة كلها. وبالنسبة إليه تعطيه الحرب على المصارف مكاسب سريعة وبعيدة، فهو يستفيد منها في الانتخابات إذا جرت، وقد تطيح بها أيضاً، لكنها تؤسس لإعادة تركيب المؤسسات بطريقة أخرى تكرّس الهيمنة على البلد.
أما الخطر الآخر، فيكمن في أن رئيس الجمهورية بدأ يُقدم نفسه مع تياره السياسي بأنّه يحمل مطالب اللبنانيين وانتفاضتهم منطلقاً من حسابات شعبوية وسياسية وانتخابية، ليكرّس واقعاً مختلفاً بعد الانتخابات إذا جرت، وإن لم تجر، فإنه يكون قد مهّد الطريق للتمديد أو لحسم اسم جبران باسيل للموقع الرئاسي، خصوصاً أن عون يستدرج عروضاً مع الأميركيين في ملف الترسيم، ويحافظ في الوقت نفسه على تحالفه مع “حزب الله”. وإذا تمكن “حزب الله” مع حلفائه من نيل الأكثرية في مجلس النواب، فستكون المهمة سهلة لتنفيذ الأجندة والسيطرة على البلد، ولا بأس عندئذ من إعادة نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة الذي يقدم منذ اليوم أوراق اعتماده للجميع.