عودة نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل غير حتمية

كتب سركيس نعوم في “النهار”:
يتساءل كثيرون في العالم العربي وفي العالم الأوسع عن السبب الذي يدفع #بنيامين نتنياهو الى بذل كل ما يستطيع من أجل العودة الى رئاسة حكومة بلاده رغم أنه تولّاها لأول مرة قبل أكثر من عقد ثم أكثر من مرة بحيث أصبح الوحيد الذي حكم إسرائيل أطول مدة منذ تأسيسها. الأجوبة عن هذا التساؤل قدّمها باحثون أميركيون كثيرون منذ استقالة حكومة بينيت – لابيد تلافياً لإسقاطها بالكنيست بعد فقدانها الأكثرية النيابية المؤيّدة لها، علماً بأنها كانت أكثرية ضعيفة جداً. وكان أبرزهم آرون ميلر الذي شغل مراكز مهمة في إدارات أميركية عدّة وشارك بفاعلية في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين التي بدأها الرئيس جورج بوش الأب عام 1991، ثم تابعها بعده الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، ثم آثر الانتقال الى عالم البحث الجدّي بعدما لمس استحالة التوصّل الى تسوية لهذه القضية الشائكة والمُزمنة لأسباب متنوّعة. كان “ولسون سنتر” ثمّ “كارنيغي” الذي يعمل فيه الآن الأبرزين في هذا المضمار.
أربعة أسباب وضعها ميلر لرغبة نتنياهو بل لإصراره على العودة الى رئاسة حكومة بلاده. الأول هو حماية نفسه وضمان خروجه سالماً من قضيّة أو قضايا فساد حقّق فيها القضاء الإسرائيلي سنوات طويلة ولا يزال يتابع عمله هذا. وربّما صار قاب قوسين أو أدنى من الانتقال الى جلسات تقديم الأدلة وتالياً استخلاص الحكم أو الأحكام في شأنها وإصدارها. وهي لا شك ستطاله بل ستضربه في الصميم. وكون نتنياهو رئيس وزراء لا بدّ من أن يمكّنه من التأثير وبواسطة “حِيَل نيابية” وتالياً من التلاعب بأيّ حكم قضائي يصدر في حقه. السبب الثاني هو عدم تمتع أي سياسي في إسرائيل بمهارات سياسية أكثر منه وبـ”كاريزما” أي جاذبية بل سحر وجعل ذلك إسرائيليين كثيرين لا يتصوّرون حياةً سياسية في بلادهم من دونه. السبب الثالث ترؤس نتنياهو “ليكود” وهو الحزب الأكبر والأكثر تماسكاً وتلاحماً في إسرائيل. وتفيد استطلاعات الرأي التي أُجريت حتى الآن فيها أن “ليكود” سينال في الانتخابات المقبلة 36 مقعداً نيابياً في مقابل 20 مقعداً لحزب منافسه رئيس الحكومة الموقّت يائير لابيد وحزبه “هناك مستقبل”. أمّا السبب الرابع فهو أن نتنياهو يتعاطى بل يمارس السياسة في إسرائيل المتجهة الى اليمين وبثبات منذ مدّة غير قصيرة. وقد أثبتت حكومة بينيت – لابيد قدرتها وإن خلال سنة واحدة على إمرار موازنة عامّة وعلى التعامل بأهلية مع التحالف الذي يكوّنها، علماً بأن الهدف الأساسي لها كان منع نتنياهو من العودة الى السلطة على الأقلّ لمدّة معيّنة.
هل يعني ذلك أن عودة نتنياهو الى السلطة عبر رئاسة الحكومة بعد الانتخابات القريبة المقبلة صارت “قدراً” لا يُمكن تجنّبه؟ الجواب الأقصر والأطول عن هذا السؤال هو: “كلا”. فالانتخابات ستجري في 25 تشرين الأول المقبل. واستناداً الى استطلاعات الرأي لا يبدو نتنياهو قادراً على تأمين غالبية تمكّنه من تأليف حكومة. علماً بأنه عاش هذا الوضع في محاولات ثلاث له لتشكيل حكومة بعد ثلاثة انتخابات عامة سابقة. فضلاً عن أنه يقود للمرة الأولى حملة انتخابية وهو عضو في المعارضة أي ليس جزءاً من السلطة أو كلها. وقد أثبت لابيد في الانتخابات الأخيرة أن إلحاق الهزيمة بنتنياهو أمر ممكن. وسيكون لابيد منافساً له ذا صدقية. وقد ارتفعت منزلته الشعبية عندما قرّر السماح لحليفه بينيت بأن يتولى رئاسة الحكومة قبله بعد اتفاقهما على المداورة. فضلاً عن أن حزبه “هناك مستقبل” ينتمي الى الوسط (Centrist). ولعل أهم ورقة له أي للابيد هي أنه نجح في هندسة حكومة هزيمة نتنياهو.
هل من دور للولايات المتحدة في انتخابات إسرائيل العامة المقبلة؟ إحدى الأساطير أو الخرافات المتعلّقة بعلاقات هاتين الدولتين هي أن الأولى لا تتدخل في السياسات الإسرائيلية وأن الثانية لا تتدخل في السياسات الأميركية. علماً بأن متابعة هذا الأمر من قرب أظهرت أن التدخلين المذكورين حصلا في أوقات معيّنة وتعلّقا بقضايا معيّنة. ورغم أن الرئيس الحالي بايدن أوضح أن بلاده ستتعامل مع أيّ حكومة تتولّى السلطة في إسرائيل فإن المتابعين يعرفون ومن دون شكوك في أيّ جهة تكمن أفضلياتهم. فبايدن ليس معجباً بنتنياهو الذي يعرفه منذ سنوات. وفي إحدى زياراته للقدس عام 2010 صُدِم بايدن بل ذُهِل وربما أُذلّ عندما أعلنت حكومة نتنياهو توسيعاً ذا أهمّية للاستيطان اليهودي في القدس الشرقية. انطلاقاً من ذلك يُلاحظ كل من تابع مقاربة إدارته لأعمال حكومة بينيت – لابيد إرادة أميركية ثابتة لتجنيبها خطوات قد تدفعها الى السقوط وتسمح لنتنياهو بالعودة الى رئاسة الوزراء. طبعاً على بايدن أن يحذر جيداً في أثناء زيارته إسرائيل (حصلت أخيراً) كي لا يبدو متدخلاً بقوة وعلانية في القضايا الداخلية لإسرائيل. لكنه سيُحاول بقدر الإمكان جعل لابيد يبدو مؤهّلاً جدّياً لرئاسة حكومة ما بعد الانتخابات العامة المقبلة، علماً بأنه لا يستطيع أن “ينتخبه” علانية لهذا الموقع. وستجري الانتخابات طبعاً، ورغم عدم ترجيح عودة نتنياهو الى رئاسة الحكومة فإن تمكّنه من ذلك سيتسبّب بصداع كبير لبايدن.