رأي

“عودة النازحين” بلا أم ولا أب.

كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن.

باتت اللجنة الوزارية المكلفة زيارة سوريا للتنسيق مع سلطاتها حول خطة عودة النازحين السوريين، بلا أم ولا أب ولا عراب، بعدما انسحب وزير الخارجية عبدالله بو حبيب من رئاستها قبل أيام، فتسبب ذلك بإرباك في صفوف السياسيين المتحمسين للتنسيق مع سوريا والانفتاح على حكومتها، بعد عودتها إلى الجامعة العربية.

حضور الرئيس بشار الأسد القمة العربية في جدة في أيار الماضي، حيث ألقى كالعادة، دروساً بالقومية على القادة العرب، معتبراً أنّ دمشق منبع العروبة وبالتالي لا تحتاج إلى «الحضن العربي»، جدد الإصرار من قبل رموز «الممانعة» الكبار والصغار، على وجوب تأليف وفد حكومي، للتباحث مع المسؤولين السوريين في إعادة النازحين، بناء لطلب القيادة السورية وشروطها.

حين أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حزيران الماضي عن تشكيل وفد وزاري برئاسة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، لتنفيذ المهمة، لم يكن الأخير حاضراً جلسة مجلس الوزراء التي اتخذ خلالها القرار. فهو يتناغم مع قرار «التيار الوطني الحر» بمقاطعة اجتماعات الحكومة. ضمّ الوفد الوزاري إلى بو حبيب، 7 وزراء هم: المهجرين، الشؤون الإجتماعية والعمل، الثقافة، السياحة، الزراعة، الإعلام والطاقة والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، والمدير العام للأمن العام، على أن تكون لها أيضاً مهمة التنسيق مع لجنة الاتصال لجامعة الدول العربية بشأن سوريا، التي ضمّت إليها بو حبيب أيضاً، والمولجة البحث في تسهيل الحل السياسي في سوريا وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وعودة النازحين. وهي تشكلت من وزراء خارجية السعودية، مصر، العراق، الأردن والجامعة العربية إضافة إلى لبنان والتي تأجل انعقادها إلى شهر آب المقبل… كان منطقياً اعتبار التقدّم في مسار اللجنة العربية مؤشراً إلى إمكان التقدم في إعادة النازحين. لكن لم تكن هذه هي الحال في الاختبار الذي تقرر إجراؤه مع الأردن بإعادة ألف نازح كدفعة أولى. فالقرار الخليجي العربي في هذا الشأن اتخذ في الأول من أيار من دون أي ترجمة عملية. وبالتالي تأليف ميقاتي الوفد كان مجرد استجابة لإلحاح نصرالله. والتراجع عن رئاسة رئيس الحكومة له، مجرد تناغم مع الموقف الغربي.

الوفد اللبناني تشكل فقط من القوى السياسية القريبة من محور الممانعة، ومن وزراء لا صفة لهم في قضية النازحين، ولم يضم أي وزير سني أو درزي، إذا كان الغرض السياسي منها إقرار الفرقاء كافة بوجوب الانفتاح على النظام… قبل البحث في عودة النازحين.

فوجئ وزير الخارجية بترئيسه اللجنة، لا سيما أنّ ميقاتي كان أعلن في أيار الماضي أنه سيزور دمشق، بعدما كان التقى الأسد في القمة العربية في جدة، وبالتالي سيتولى رئاسة أي وفد لبناني. كما نقل عنه وزير المهجرين عصام شرف الدين أنّه مستعد لرئاسة وفد وزاري إلى العاصمة السورية. ميقاتي عدل عن ذلك بفعل الموقف الغربي الرافض التطبيع مع نظام الأسد، والذي شدد على استمرار تطبيق عقوبات «قيصر» ضد التعامل مع الحكم السوري، رغم قرار الجامعة العربية، فرمى المهمة على بو حبيب. من معايشة الموقف الغربي يمكن لوزير الخارجية أن يستنتج أنّ الضجة التي تثار في بيروت حول خطط العودة تفوق الحقيقة المرّة بأن لا قرار بتنفيذها بعد، وأنّ المناورات السياسية تتفوق على الوقائع، خصوصاً أنّ وزير المهجرين أطلق أرقاماً ضخمة نقلاً عن مسؤولين سوريين خلال زياراته المتكررة، بأنّ 180 ألفاً سيعودون قريباً وبعدهم 15 ألفاً كل شهر. الاعتقاد السائد أنّ رئيس الحكومة فهم أنّ إعادة النازحين إلى سوريا لن تكون متيسّرة سواء من الجانب السوري، او من جانب الدول المانحة التي تضع فيتو على تمويل إعادة الإعمار في مناطق العودة الخاضعة للنظام. تماماً كما فعل ميقاتي حين انسحب من رئاسة الوفد اللبناني إلى مؤتمر بروكسل الذي بحث أزمة النازحين السوريين في دول الجوار ورصد مساعدات مالية لتلك الدول، جاءت بقيمة 9،6 مليارات دولار، (تركيا والأردن ولبنان وللداخل السوري، والمجتمعات المضيفة)… وغالباً ما يتخلّف المانحون عن تسديد ما يتبرعون به كما في السابق. وفضلاً عن خيبة الوفد اللبناني من أنّ دول الاتحاد الأوروبي لم تبحث في ورقة عمل قدمها لإعادة النازحين تدريجاً، بدا أنّ دوامة عودة النازحين تدور في حلقة مفرغة ليس في يد لبنان اختراقها: النظام يريد مساعدات مالية مقابل مطالب العودة، من دول الغرب والدول العربية بحجة أنّها موّلت الدمار الذي حصل في البنية التحتية (دعم المعارضة) وعليها تحمل تكاليف إعادة الإعمار. ودول الغرب تشترط حلاً سياسياً وفق القرار الدولي الرقم 2254 الذي ينص على قيام حكم انتقالي (حكومة تشارك فيها المعارضة) قبل أي شيء. وهو أمر ترفضه دمشق بقوة. بدا ترؤس بوحبيب الوفد الوزاري تكليفاً بمهمة فاشلة سلفاً تحكمها توازنات أكبر من قدرة الوزراء اللبنانيين على تعديل وجهة أحداثها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى