أبرزرأي

عودة “إسرائيل” إلى تحالف “الأقليات”؟

كتبت ليلى نقولا في الميادين.

في خطاب ألقاه وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في معرض تقييم التهديدات والتطورات التي حدثت بعد حرب لبنان وسقوط النظام السوري، قال: “يجب أن ننظر إلى التطورات في هذا السياق، ونفهم أنه، في منطقة سنكون فيها دائماً أقلية، يمكننا أن نقيم تحالفات طبيعية مع أقليات أخرى”.

وأكد ساعر أن “إسرائيل” يجب أن تمد يدها إلى الكرد والأقليات الإقليمية الأخرى، والذين يُعَدُّون حلفاء “طبيعيين” لـ”إسرائيل” مشدداً على أن لهذا الأمر “فوائد سياسية وأمنية”، وناصحاً بـ”أن إسرائيل في حاجة إلى التواصل مع الدروز في سوريا ولبنان”.

وفي مغازلة للكرد، قال إن “الشعب الكردي أمة عظيمة، وواحدة من الدول العظيمة، التي لا تتمتع باستقلال سياسي”، واصفاً الكرد بأنهم “حلفاء طبيعيون”، و”أقلية وطنية في أربع دول متعددة، وفي إثنتين منها يتمتعون بالحكم الذاتي: بحكم الأمر الواقع في سوريا، وبحكم القانون في الدستور العراقي”.

واقعياً، إن الرغبة الإسرائيلية في التحالف مع الأقليات ليست وليدة هذه اللحظة، بل هي سياسة قديمة، يحاول الإسرائيليون تجديدها بعد التطورات التي حدثت بعد حروب الشرق الأوسط (2023-2024). 

“إسرائيل” وتحالف الأقليات تاريخياً

في العقود الأولى بعد إنشاء “إسرائيل”، قام ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، بناءً على نصيحة إلياهو ساسون (خبير ومستشار)، بتطبيق “عقيدة المحيط” periphery doctrine.

صاغ ديفيد بن غوريون ومساعدوه في “الموساد” و”الشين بيت”، في الخمسينيات، مصطلح “” Torat haperipheria  لمواجهة التهديدات من الدائرة العربية المحيطة، أو ما يسمى دول الطوق.

وكانت هذه العقيدة واحدة من الاستراتيجيات الأربع الرئيسة، والتي وضعتها “إسرائيل” في الخمسينيات من أجل ضمان أمن “الدولة”، التي تشكلت حديثاً، وهي: تشكيل تحالفات مع القوى الكبرى، وتعزيز الهجرة اليهودية على نطاق واسع، وخلق ردع نووي، وتنفيذ “عقيدة المحيط”.

تجلّى التطبيق العملي لهذه العقيدة في قيام شراكات استراتيجية مع دول غير عربية وموالية للغرب في المنطقة، مثل تركيا وإيران (الشاه) وإثيوبيا، من أجل معالجة العداء العربي والوحدة العدوانية ضد “إسرائيل”، ومواجهة المقاطعات الدبلوماسية والاقتصادية للدول العربية، والمحافظة على توازن القوى ضد صعود القومية العربية المناهضة لـ”إسرائيل”، من جانب الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

كانت الأقليات في جميع أنحاء الشرق الأوسط تُعَدّ “محيطاً” عرقياً يمكن لـ”إسرائيل” الاستفادة منه لخرق دول الطوق والدول العربية الأخرى وإشغالها. وتضمن هؤلاء: الأقلية المسيحية في جنوبي السودان، والدروز في سوريا ولبنان، والكرد العراقيين، والموارنة في لبنان.

لبى حلف القادة الإسرائيليين مع الأقليات، في ذلك الوقت، حاجة استراتيجية إسرائيلية، بحيث مارسوا السيطرة العسكرية على الأراضي داخل الدول، وكان من السهل الوصول إلى هذه الأقليات، وكانوا مستعدين لمحاربة عدو مشترك، ولم تكن تكاليف دعمهم باهظة.

لاحقاً، حدثت عدة تطورات خلال سبعينيات القرن العشرين، أدّت إلى فشل “عقيدة المحيط”، بعد أن أطاحت الثورة الاسلامية الشاه، وسقط الإمبراطور الإثيوبي.

كذلك، دفع الغرق الإسرائيلي في المستنقع اللبناني، خلال الثمانينيات والتسعينيات، إلى تراجع الرغبة الإسرائيلية في استخدام الأقليات أذرعاً من أجل التأثير والاستخدام كبديل من “الجيش” الإسرائيلي.

عودة التفكير الإسرائيلي في حلف الأقليات

1- الدروز:

بعد يوم واحد فقط من سقوط النظام السوري، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتوجيه رسالة إلى دروز سوريا، بصورة مباشرة، فقال: “أرسل أولاً، وقبل كل شيء، يد السلام إلى إخواننا الدروز في سوريا، والذين هم إخوة لإخواننا الدروز الإسرائيليين”.

ويبدو أن الإسرائيليين يتحسبون للتطورات التي ستحدث في سوريا في المرحلة المقبلة، ليُعيدوا إحياء مخططات قديمة، كان طواها الزمن.

كان الإسرائيليون، في السبعينيات من القرن الماضي، عبّروا عن دعمهم إقامة دولة درزية، تشكل “دولةً -حاجزاً” بين “إسرائيل” وسوريا، وتقوم على مساحة جغرافية يقطنها الدروز في كل من الجولان السوري المحتل وجبل الدروز في سوريا، امتداداً إلى لبنان. وعلى هذا الأساس، دعموا التوجهات الانفصالية للدروز، وخصوصاً بعد أن قام الدروز في “إسرائيل” بالانخراط في الجيش، والاندماج في المجتمع، بعكس القوميات العربية الأخرى.

2- الكرد:

بدأ التواصل الكردي الإسرائيلي في ستينيات القرن العشرين، حين حاول كرد العراق الانفصال عن الدولة العراقية، فتلاقت مصالح كل من “إسرائيل” وإيران (الشاه) والكرد ضد الدولة العراقية. فأرسلت “إسرائيل” وإيران فِرَقاً صغيرة إلى شمالي العراق لتدريب المقاتلين الكرد على عمليات القتال وحروب العصابات، كما تمّ تزويد المقاتلين بالأسلحة والعتاد والأموال والمعدات الطبية. وبحلول عام 1965، بات لـ”إسرائيل” وجود دائم في الجبال الكردية في شمالي العراق، للتدريب والمساهمة في دعم المتمردين ضد الدولة العراقية.

وزار الزعيم الكردي، الملا بارزاني، “إسرائيل” مرتين على الأقل (في عامي 1968 و1973)، بحيث التقى رئيس الوزراء ليفي أشكول ومسؤولين إسرائيليين.

وبعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وبعد إعطاء حكم ذاتي واسع للكرد ضمن الدولة العراقية، تعمّقت العلاقة الكردية الإسرائيلية، بصورة كبيرة. وعلى الرغم من النفي الكردي المتكرر، فإن التقارير تشير إلى وجود كبير للموساد في كردستان العراق.

وعلى الرغم من عدم وجود تقارير مؤكَّدة بشأن وجود علاقات بين كرد سوريا و”إسرائيل”، فإن الإسرائيليين يَبدون مهتمين جداً بمصير الكرد السوريين، بعد سقوط النظام السوري.

ففي الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، التقى وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ينس بلوتنر، مستشار السياسة الخارجية والأمن للمستشار الألماني. وقال ساعر: “أكدت أن المجتمع الدولي له دور في حماية الأقليات في سوريا، بما في ذلك الأقلية الكردية، التي تتعرض للهجمات والتهديد هذه الأيام”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى