عن فشل «الكونسورتيوم النووي» | إيران على موقفها: التخصيب صناعة محلية

ترفض إيران مشروع الكونسورتيوم النووي الأميركي وتتمسّك بحقها في التخصيب كصناعة محلية، رافضة أي مساس بقدراتها النووية والصاروخية.
كتب حسن حيدر, في الأخبار:
مثّل المقترح الذي قدّمته الولايات المتحدة لإنشاء كونسورتيوم إقليمي لتخصيب اليورانيوم، إحدى القضايا الرئيسية في المفاوضات النووية الإيرانية، وذلك بعدما قوبل المقترح الذي يهدف إلى توفير الوقود النووي لدول المنطقة، من خلال آلية مشتركة تكون تحت إشراف دولي، بردود فعل متباينة من جانب إيران، وغيرها من اللاعبين. وفيما ترى واشنطن وحلفاؤها، في المشروع المذكور، وسيلة لوقف التخصيب الإيراني بالكامل، تنظر طهران إليه باعتباره «مكمّلاً» لبرنامجها النووي، ولا يلغي حقّها في التخصيب داخل أراضيها.
ووفقاً للمعطيات المتوفّرة، قدّمت الولايات المتحدة اقتراحاً مكتوباً لإنشاء كونسورتيوم إقليمي يضمّ إيران، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة، تحت إشراف «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (IAEA)، ويطالب بوقف كامل لتخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وتوفير الوقود النووي للمفاعلات الإقليمية من خلال الكونسورتيوم.
وفي أثناء المفاوضات الإيرانية – الأميركية، عرضت واشنطن اقتراحَين رئيسيَّيْن:
1- إنشاء كونسورتيوم إقليمي لتخصيب اليورانيوم للأغراض المدنية تحت إشراف «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» والولايات المتحدة، بشرط أن تكون منشأة التخصيب خارج الأراضي الإيرانية.
2- الاعتراف بحقّ إيران في التخصيب، بشرط تعليق جميع أنشطة التخصيب داخل أراضيها.
وبرزت العقدة الأولى، في عدم تحديد موقع الكونسورتيوم، في ظلّ إصرار أميركي على أن يتمّ التخصيب خارج إيران. ولدعم هذا المقترح الذي لم يُحلّ بالدبلوماسية ولا بالمفاوضات، قرّرت الولايات المتحدة ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ولا سيما منشآت التخصيب في «نطنز» و»فردو»، علّها بتلك الخطوة توقف تخصيب اليورانيوم في إيران تماماً، وذلك بعد تدمير أجهزة الطرد المركزي فيها؛ علماً أن الكونسورتيوم المُقترح معنيّ بتوفير الوقود اللازم للمفاعلات البحثية الإيرانية من الخارج.
وأظهرت الاقتراحات المتقدّمة، الجهود الأميركية لإزالة القدرة الإيرانية على التخصيب بالكامل، تنفيذاً لِما يطالب به الكيان الإسرائيلي، الذي كان يخشى من أن يسمح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإيران، بالحفاظ على بعض منشآت التخصيب في سبيل التوصل إلى اتفاق. على أن تلك الخشية سرعان ما تبدّدت، مع منح واشنطن، تل أبيب، حرية العمل العسكري في إيران لتحقيق عدّة أهداف، من بينها: ضرب البنية الصاروخية؛ ضرب الحرس الثوري؛ محاولة زعزعة الاستقرار الداخلي، وخلق حالة من الفوضى على المستوى الشعبي وتحريك بعض المجموعات المعارضة.
يمكن الكونسورتيوم أن يكون حلّاً فقط إذا اعترفت الولايات المتحدة بحقّ إيران في التخصيب
ووسط ذلك كلّه، صعّدت أميركا مساعيها لتصفير تخصيب اليورانيوم، عبر ضرب أجهزة الطرد المركزي، بعدما اتخذت من خدعة المفاوضات غطاءً للتجهيز للهجوم الكبير المشترك على إيران، والهادف إلى إلحاق أضرار بالغة ببنيتَيها النووية والعسكرية.
وفي أعقاب حرب الأيام الـ12، أعاد الجانب الأوروبي طرح فكرة الكونسورتيوم، وهو ما رحّبت به إيران، لكن مجدّداً وفق رؤيتها الخاصة. ويمكن إرجاع موقف طهران الثابت بالنسبة إلى الحفاظ على قدرتها على التخصيب، إلى تجارب سابقة كشفت عن التحدّيات في التعاون النووي مع الغرب، من بين أبرزها ما يلي:
- أزمة تأمين الوقود لمفاعل طهران البحثي عام 2010: كان المفاعل بحاجة إلى يورانيوم مخصّب بنسبة 20% لإنتاج النظائر الطبية. فتقدّمت إيران بطلب لتوفير الوقود من الدول الغربية، وخاصة فرنسا، ولكن طلبها قوبل بالرفض. ونتيجة لذلك، بدأت طهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% بنفسها، ما أدّى إلى تصاعد التوترات مع الغرب.
- فشل اتفاق «بيان طهران» عام 2010: وافقت إيران على نقل 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى تركيا مقابل الحصول على وقود بنسبة 20% لمفاعل طهران، وهو الاتفاق الذي حصل بوساطة تركيا والبرازيل، لكنّ الولايات المتحدة وحلفاءها رفضوه وفرضوا عقوبات جديدة على إيران عبر مجلس الأمن.
- الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018: أثّر انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من «خطّة العمل الشاملة المشتركة» (JCPOA) في عام 2018، بشكل عميق على وجهة نظر إيران. فعلى الرغم من التزام طهران بتعهداتها، قرّر دونالد ترامب الخروج من الاتفاق وفرض سياسة «الضغط الأقصى»، ما أظهر أن تعهدات الغرب قد لا تكون دائمة.
في ظلّ هذه الظروف، يمكن الكونسورتيوم أن يكون حلّاً فقط إذا اعترفت الولايات المتحدة بحقّ إيران في التخصيب، وهو أمر مستبعد بالنظر إلى إصرار واشنطن على عدم عودة التخصيب بعد تضرُّر المنشآت المُستهدفة، ما سيزيد من تعقيد الأمور مستقبلاً، ويعيدها تالياً إلى ما قبل عام 2015. ويضاف إلى ما تقدَّم، المطلب المتجدّد بمناقشة قدرات إيران الصاروخية، وهو ما يمثّل خطّاً أحمر لن تقبل طهران المساس به في أيّ مفاوضات، ما من شأنه أن يرفع سقف التحدّي، خصوصاً أن الجمهورية الإسلامية لا تفتأ تشدّد على أن ما لم يؤخذ بالنار لن يؤخذ بالسياسة.