عن الإنفعالية الشديدة والتزوير الإعلامي
كتب شربل داغر في صحيفة نداء الوطن.
لا أحد يقوى على تغافل ما يَحدث في غزة، حتى وإن طلب الابتعاد عنها. كثيرون وكثيرات قالوا، بالأمس، إنهم لا يهتمون بالسياسة، ولا يتابعونها. وهم أنفسهم، اليوم، من يوجهون دروساً في السياسة، حتى إنهم يتدبرون لهذا الغرض تاريخاً أسطورياً للصراع بين العرب واليهود.
لا يمكن معاتبتهم في ما يُقدمون عليه : إن قسوة ما يشاهدون ونشاهد، من صور مرعبة، ومن دمار كابوسي، لا تُحتمل، ما يتطلب الرد بأي شكل كان.
هذا ما يَحدث أينما كان، بدليل التظاهرات الجارية في أكثر من مدينة أوروبية وغربية، أكثر من المدن العربية والإسلامية نفسها. هذا ما يَحفل به الفايس بوك، من صور وفيديوات، وما ينتقل، عند بعضهم، إلى رسائل التهديد والتخوين و»الجهاد» الصوري، بطبيعة الحال، ولا سيما من البعيدِين عن خط المواجهة.
الحروب تستنفر خاصةً نزعة البقاء في أعلى درجاتها، من دون شك، والمتمثلة في ما قالته الدعاية المصرية القديمة : «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
ما يبدو جليا في هذه الحرب، وما سبقها في غزة، قبل سنوات معدودة، هو أن الحرب لا تعود لحظة سياسية بامتياز، بل لحظة انفعالية في أعلى درجاتها.
وهو ما تُسهله، وتَستنفره، من دون شك، شاشات القنوات الفضائية وشاشات الهواتف المحمولة.
في الحروب نغامر ونخاف، ونفتقد الكثير من مقومات إدراكنا لصالح نزعة البقاء وحساباتها الإكراهية، أما في ما يَجري – وهذا ما لا نجده بالقدر نفسه عند الأوروبي والغربي في حرب روسيا وأوكرانيا -، فأن الانفعالية الشديدة تتعاظم في أفعالنا وأحكامنا، عدا ان الإعلام بات شخصياً للغاية.
لكل إعلامُه في هذا المشهد. هذا يُعبر من دون شك عن مقاومة الظلم وسياسة العدوان، وليس أدل على هذا سوى قول حنان عشراوي القديم والصالح حتى اليوم، وهو أن على الفلسطيني، المحتلة أرضه، أن يُدافع عن الحقوق الأمنية لمن احتل أرضه، أي للإسرائيلي.
إلا أن الانفعالية الشديدة تُسقط التاريخ لصالح اللحظة، والرؤية السياسية والاستراتيجية لصالح الموقف المباشر.
غير أن اللافت في هذه الحرب هو هذا الكم الهائل من التزوير الإعلامي، العمدي، الذي تديره جهاتٌ وحركاتٌ غير بعيدة عن الصراع نفسه. فكيف إذا تحولت صورة أو فيديو إلى… قذيفة بدورها! الجريدة تصحح الخبر الخاطئ أو المزوَّر في اليوم التالي، أما في هذا التزوير فقد لا يتم التوصل إلى كشف الخديعة إلا بعد أيام، أي بعد رسوخ هذه الصورة أو تلك.
الاكيد أن الانفعال الشديد، المرتكز على خطر الموت، يفاقم شحنة الحرب، لا سيما عند البعيدِين عن «الجبهة».
هناك ضحايا تدفع ضحايا في هبوب هذه الحرب التي باتت «عالمية» في شبكاتها، من دون أن ينفع الإعلام بالضرورة في الإنارة، في إنارة مشاعل الحق بالضرورة.