رأي

عندما تخدم المعارضة النظام الإيراني.

كتب حسن فحص في إندبندنت بالعربي.

بعد مرور عام على الحراك الشعبي الذي شهدته إيران على أثر مقتل مهسا أميني، يمكن القول إن هذه السنة كانت أو شكلت امتحاناً جديداً وحقيقياً وجدياً لكل أحزاب وتيارات وتجمعات المعارضة الإيرانية من العلمانية والملكية واليسارية وأصحاب العنف الثوري والقوميين الانفصاليين الذين يعملون لإطاحة النظام الإسلامي الذي قام على أنقاض النظام الملكي عام 1979.

فقد كشفت المواقف السياسية والتحركات التي قامت بها هذه الجماعات، بعيداً من الأحزاب ذات الطابع العسكري أو التي تملك أجنحة مسلحة وتعمل ضمن أجنداتها الخاصة التاريخية، عن أن هذه القوى لم تستطِع تحقيق أدنى مستويات انسجام داخلي يساعد على تقريب المواقف في ما بينها، أو أن تضع منشوراً أو متنفساً يتضمن الحد الأدنى من النقاط والأفكار والمواقف المشتركة بين هذه الجماعات، واستمرت الخلافات في ما بينها وارتفعت وتيرتها على خلفية عمل كل فريق على إلغاء الآخر ومحاولة الإيحاء بأنه الطرف الذي يملك التأثير في الداخل والقادر على تحريك الشارع وتوجيهه بالاتجاه الذي يريده أو يهدف إليه.

هذه المراهقة السياسية التي عاشتها المعارضة الإيرانية في الخارج والصراعات التي احتدمت بشكل كبير وواسع بين أقطابها وتياراتها والدخول في لعبة الاتهامات والتسقيط ونزع الشرعية الشعبية والتمثيلية عن بعضها، كشفت عن أن جميع هذه القوى لا تمتلك القاعدة الشعبية التي يمكن أن تشكل عامل قوة أو مصدر تأثير في مسار الأحداث وتنقله إلى مرحلة متقدمة تضع النظام وأجهزته، أو المنظومة برمتها أمام تحدٍ وجودي ومعركة بقاء واستمرار.

وقد لا يكون التعميم هنا صادقاً في توصيف المعارضة، لوجود استثناءات تسمح بالحديث عن وجود مؤيدين لبعض هذه القوى والتيارات، إذ يمكن التوقف عند تيار “الحنين الملكي” أو إذا صح التعبير النوستالجيا الملكية الشاهنشاهية، إلا أنها على غرار ممثلها ولي العهد السابق رضا بهلوي لا تملك القدرة على الخروج من هذه النوستالجيا والانتقال إلى الفعل أو هيكلة معارضة مؤثرة، بخاصة أن زعيمها لجأ إلى خطوات متسرعة كشفت عن مدى التخبط الذي يعشيه نتيجة المفاجأة التي أحدثها الحراك الداخلي، فتارة ذهب إلى حشد جماعة من الممثلين الفنانين وآخرين ممن يعتبرون مؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى الذهاب لخيار التواصل مع الحكومة الإسرائيلية من أجل الحصول على حصرية التمثيل في حال أو عند إطاحة النظام في طهران.

التواصل مع تل أبيب لم يقتصر على التيار الملكي الذي لم يتردد أيضاً في تقديم تنازلات للمكونات القومية في إعادة النظر بنظام مركزية الدولة والسلطة وحتى إمكان الذهاب إلى النظام الفيدرالي الذي أثار استياء والدته الملكة السابقة فرح ديبا، بل انتقلت العدوى إلى جماعات أخرى من هذه المعارضة، خصوصاً الوفد الذي زار تل أبيب عشية الذكرى السنوية الأولى لحراك مهسا أميني، إلا أن استقبال وزيرة الأمن الإسرائيلي لهم حدد مستوى التعامل والتعاطي الإسرائيلي معهم، مما قدم خدمة مجانية إلى المنظومة الإيرانية وحوّل هذه المعارضة إلى مجرد ورقة في صراع الأجهزة المحتدم بين طهران وتل أبيب.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن الاعتراض الشعبي الإيراني على هذه العلاقة ربما لا يكون نتيجة تبني هذا المجتمع الرؤية الأيديولوجية للنظام في موقفه من إسرائيل، لا بل يمكن القول إن غالبية الإيرانيين قد لا تعارض أي تقارب إيراني- إسرائيلي يساعد في تخفيف العزلة الدولية عن إيران ويقلل من الأثمان التي تدفعها جراء هذا العداء المعلن، إلا أنه، أي هذا المجتمع، لا يمكن أو قد يكون من الصعب عليه القبول بأن تتولى السلطة جماعات تعمل لمصلحة أو ضمن الأجندة الإسرائيلية.

لعل المثال الحي على هذا الموقف الاجتماعي ما تواجهه جماعة “مجاهدي خلق” بعجزها عن التحول إلى حركة واسعة على رغم تاريخها الثوري الذي يمتد إلى عقود ما قبل انتصار الثورة، وما تتمتع به من تنظيم حديدي يقوم على نظام الحلقات المنفصلة وقدرتها على خرق مراكز القرار والإدارات السرية، إلا أنها لم تستطع أن تتحول إلى جماعة شعبية نتيجة اعتمادها على العنف المسلح، أما تحالفها مع النظام العراقي ورئيسه صدام حسين ومشاركتها في الحرب إلى جانبه ضد الجيش الإيراني، فشكّل السد أو المانع الحقيقي على الثقة بها والانتقال إلى أن تكون البديل المقنع، خوفاً من استبدال النظام القائم بنظام أكثر عنفاً لن يتردد في ممارسة مزيد من القمع وخنق الحريات.

في المقابل، فإن الحركات السياسية وحتى ذات الطبيعة العسكرية الممثلة للأقليات القومية والمذهبية، غير قادرة على أن تتحول إلى جهة ذات تمثيل شامل لكل المكونات الإيرانية بكل انتماءاتها العرقية والمذهبية والدينية، إضافة إلى أنها تعاني كغيرها من قوى المعارضة، صراعات على خلفية حصرية تمثيلها للمكون الذي تنتمي إليه، مما يعقد عملية انتقالها من التمثيل الضيق إلى التمثيل الأوسع، فضلاً عن أن انعدام الثقة بأهداف وطموحات ومشاريع هذه المكونات من من جانب القوى السياسية والحزبية والعسكرية لهذه المكونات يولد مزيداً من التعقيد.

في الخلاصة، يمكن القول إن المراهقة السياسية التي ما زالت تعيشها الأحزاب الإيرانية التاريخية المعارضة تنطبق عليها مقولة للإمام علي بن أبي طالب الذي قال “ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع في غير أرضه”، فالتسرع الذي طبع تحرك هذه المعارضات بكل أطيافها وأحزابها وتياراتها جعلها تعتقد بأن التغيير بات قاب قوسين أو أدنى وأن النظام بات على شفا الانهيار وما عليها سوى التحرك لتسلّم السلطة وتغيير النظام، إلا أن هذه القراءة القاصرة لمكامن القوة للمنظومة الحاكمة التي يمثل فيها العامل الأيديولوجي البعد الأساس الذي يوفر الغطاء لأي إجراء مهما كان دموياً، شكلت عاملاً مساعداً للنظام ومنظومته الأمنية والعسكرية لاجتياز كل الأزمات التي واجهها، بخاصة أن هذه المعارضات نتيجة علاقاتها وتنسيقها مع خصوم يصفهم بالأعداء، قدمت له الذرائع التي يستخدمها في قمع أي حركة احتجاجية مهما كان طابعها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى