عناد إسرائيل المدمر
كتب رامي الخليفة العلي في صحيفة عكاظ.
في حوار مع شبكة سي إن إن الأمريكية قال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان «إننا نمر بوقت صعب وخطير للغاية في المنطقة ولهذا السبب ندعو إلى وقف التصعيد»، هذا هو التعليق الأكثر وضوحاً والأصدق في توصيف ما تمر به منطقة الشرق الأوسط، ففضلاً عن الصراع الموجود في قطاع غزة انفجرت صراعات أخرى على هامشه منها تهديد الملاحة في البحر الأحمر واستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا وازدياد التوتر في جنوب لبنان ما بين حزب الله والقوات الإسرائيلية. في كل هذه الصراعات هنالك خصوصية متعلقة بالطرف والمنطقة والدولة ولكن الرابط الأساسي الذي يجمعها هو الحرب في غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالتالي النقطة الأولى لتخفيف التصعيد كما عبّر عنها وزير الخارجية هي وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإيجاد حل للقضية الفلسطينية، حيث يمثل ذلك الأساس الذي يمكن أن تنطلق منه رؤية شاملة لعلاقات السلام في المنطقة برمتها. أما إذا ذهبنا خطوة أبعد للحديث عن أساس هذا الحل فقد تم التعبير عنه سواء بقرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار 242 و338 والمبادرة العربية التي صاغتها المملكة العربية السعودية والقائمة على مبدأ حل الدولتين. على امتداد العقود الثلاثة الماضية فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي كان أغلبها بزعامة بنيامين نتنياهو عملت على إجهاض حل الدولتين عبر إفراغ مرتكزاته من مضمونها، فقد زادت إسرائيل من الاستيطان في الضفة الغربية حتى بلغ أعداد المستوطنين أكثر من 700 ألف مستوطن، وكذا عملت القوات الإسرائيلية على تقطيع أوصال الضفة الغربية عبر بناء طرق وجسور التفافية جعلت التنقل ما بين المدن والقرى والحواضر الفلسطينية قطعة من الجحيم، كما رفضت إسرائيل عودة اللاجئين وفقاً لقرار مجلس الأمن 425، وأخيراً عملت على تهويد القدس وإحاطتها بسور استيطاني بحيث يستحيل جعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة. حل الدولتين يجمع عليه المجتمع الدولي برمته، الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والدول العربية وبقية دول العالم، إلا الجانب الإسرائيلي الذي يصر على المضي في نفس السياسات التي لم تجلب الأمن ولا الاستقرار لا لإسرائيل ولا لدول المنطقة، ولعل المثال الأكثر وضوحاً هو ما حدث في 7 من شهر أكتوبر الماضي، وها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقولها واضحة صريحة بأنه أفشل حل الدولتين طوال العقدين الماضيين وأنه يرفضه رفضاً قاطعاً، بل يتحدث عن سيطرة أمنية إسرائيلية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط بما يعني أنه يتراجع عن اتفاقيات أوسلو، وهذه مسألة خطيرة للغاية لأنه يجعل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي صراع وجود وليس صراع حدود، ويجعل البديل عن الحرب القائمة حالياً في قطاع غزة هو حرب قادمة وأن أي وقف لإطلاق النار لن يكون سوى هدنة في انتظار المعركة اللاحقة. أما خيال إسرائيل بأنها يمكن أن تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني وتذهب نحو علاقات طبيعية مع مختلف الدول العربية فقد كان رد وزير الخارجية حاسماً في هذا الإطار عندما قال في مقابلته مع الـ سي إن إن «إنه لا يمكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية». تصريحات وسياسات قادة إسرائيل باتت تدفع المنطقة والعالم إلى مزيد من التصعيد وإلى أثمان باهظة.