على عتبة 2024

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.
جرت العادة أن يقوم أصحاب القلم والمحللون والمراقبون بسرد وتحليل أبرز القضايا والمواقف والأحداث التاريخية، التي جرت في العام الآذن بالرحيل، ويتناول البعض منهم أيضاً مسارات بعض القضايا والمواقف ذات الأحداث المستمرة، والتي لها تأثير بارز في مجريات العام الجديد، ومن هذا المنطلق سنتطرق الى قضيتين لهما صدى كبير في المجال المحلي أو العالمي، كان لهما تأثير بارز في عام 2023، ومن المتوقع ان يستمر تأثيرهما في العام الجديد.
في النطاق المحلي، فإنه في الأسابيع الأخيرة من عام 2023 انتقل الى رحمة الله أمير الكويت الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح رحمه الله، ومن بعد ذلك تقلّد رئاسة الدولة أمير الكويت الحالي سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظه الله. وبعد أداء سموه القسم الدستوري، تناول خطاب سموه معاني وتوجيهات عديدة، كان البارز فيها توجيه النقد من سموه لأداء كل من الحكومة ومجلس الأمة عن المرحلة السابقة، ومما لا شك فيه أن هذا الخطاب السامي يعد سمة من سمات العهد الجديد، وسيلقي بظلاله على أداء السلطتين في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الكويت مقبلة على اختيارات مهمة لسمو أمير البلاد في ما يتعلق بمنصب ولي العهد، وأيضاً منصب رئيس الوزراء والحكومة الجديدة بعد استقالة الحكومة السابقة.
إن المرحلة المقبلة لها أهمية في ضوء المستجدات السياسية الأخيرة، وما يثلج الصدر ابتداءً هو استمرار قادة الدولة وممثلي الشعب وأغلبية الشعب بالتصريح بالتمسك والالتزام بالدستور والعمل به، باعتباره ثابتاً أصيلاً للكويت، وهو صمام الأمان للدولة. ومن جانب آخر، فإن التحدي لنجاح المرحلة المقبلة مرتبط بصورة أساسية بمدى جدية السلطة التنفيذية في تطوير الإدارة السياسية والعمل التنفيذي لمؤسسة مجلس الوزراء وأداء القطاع العام، فمشكلة الكويت الرئيسة مشكلة إدارة بالدرجة الأولى، ولأن التجربة العملية أثبتت أن السلطة التنفيذية أخفقت في العقود الماضية في اتباع نهج جاد لتطوير الإدارة العامة، من خلال أداء الحكومات المتعاقبة، الأمر الذي يجعل هذه المهمة هي الأصعب والأكثر طلباً لتحقيق الإصلاح والاستقرار والإنجاز التنموي المطلوب.
إن إصلاح الإدارة العامة في الكويت يستوجب من السلطة التنفيذية تطوير منهجية اختيار أعضاء الحكومة بنهج جديد، يتولى فيه أصحاب الخبرة السياسية والإدارية مسؤولية الوزارة، وهو نهج يتطلب أن يتم اختيار فريق العمل الوزاري على نحو يعزز فيه العمل الجماعي الوزاري، وألا يقتصر على تعيين وزراء أفراد متفرقين لا يجمعهم أدنى حد من التفاهم والانسجام، وهو نهج يتطلب أيضاً أن تطور مؤسسة مجلس الوزراء هياكلها وآلياتها، ومن المناسب في هذا الصدد أن يتبنى إنشاء جهة دعم مؤسسي للرأي الفني والاستشاري في مجالات السياسية والقانون والإدارة، ويتطلب من السلطة التنفيذية أن تصنع رؤية واضحة ومتماسكة بشأن علاقاتها مع السلطات الدستورية (السلطة التشريعية – السلطة القضائية)، ويكون أساس تلك الرؤية تمكين وتقوية أداء تلك السلطات، وتحقيق التعاون المطلوب دستورياً، ومعالجة صور الضعف والإخفاق في العلاقات بين السلطات الدستورية. وأخيراً، أهمية تبنّي السلطة التنفيذية بصورة جادة ومؤسسية الحوكمة في أعمال وأدوار الجهات الحكومية.
وعلى النطاق العالمي، فإن الحدث الأبرز في عام 2023 عالمياً، وليس فقط إقليمياً، وتداعياته مستمرة الى عام 2024، ما جرى ويجري من أحداث كبيرة ومؤثرة في فلسطين المحتلة، تلك الأحداث بما فيها من نكبات ومآسٍ، ومقاومة فلسطينية باسلة، واهتمام عالمي بالقضية الفلسطينية، وانكسار واهتزاز وتراجع لسمعة دولة الاحتلال لدى العالم، ومن المرشح أن يكون لتلك الأحداث صدى كبير ومؤثر بشكل عميق في النطاقين الإقليمي والعالمي.
إن أحداث فلسطين الحالية تستوجب من بعض الأنظمة العربية في العام الجديد وما يليه إعادة النظر في نهجها القائم، والمتمثل بدعم الرؤية الاميركية بشأن مسار القضية الفلسطينية، التي أثبتت الأحداث الأخيرة فشلها في تحقيق السلام في فلسطين والمنطقة العربية، ومن المفترض في ظل نجاح المقاومة الفلسطينية أن يصحب ذلك تخلي بعض الدول العربية عن حيادها اتجاه ما يحدث، والإيمان بأن من مصلحتها القومية العربية دعم مقاومة الشعب الفلسطيني وسعيه لإنهاء الاحتلال، وإيقاف جرائم المحتل في حق الشعب الفلسطيني.
إن الطرف الرئيسي الأول في معادلة القضية الفلسطينية هو الشعب الفلسطيني، وعلى رأسه المقاومة الفلسطينية التي أثبتت وجودها وقدراتها وتأثيرها في مجريات الأحداث في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط، وتلك المقاومة جاءت من كنف التوجه الإسلامي القائم والمؤثر في المنطقة العربية، وبما أن الأحداث مازالت قائمة، والمقاومة الفلسطينية تجاهد لردع الاحتلال الصهيوني، فإن الأولوية أن يتم دعمها وإيقاف صور الإبادة، إلا إن هذا لا يمنع أن تقوم المقاومة الفلسطينية بشقها السياسي، في ظل نجاح رؤيتها وخططها العسكرية في مواجهة الكيان المحتل، في القادم من الأيام بتبني رؤية متكاملة ونظرية سياسية معلنة اتجاه القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية واتجاه النظام العالمي، رؤية ونظرية سياسية تقف على مبادئ الإسلام العادلة، وتستوعب الواقع القائم، وتتطلع الى نهضة وتقدم الشعب الفلسطيني، رؤية يدعمها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية.
ختاماً، كل عام والجميع بخير، ونسأل الله أن تكون سنة 2024 سنة تتحقق فيها أجمل الأماني العادلة لشعوب الأمتين العربية والإسلامية والبشرية بصورة عامة، وأن تكون سنة فتح ونصر وتمكين للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وسنة خير وأمان وازدهار للشعب الكويتي.