رأي

عقوبات قوم عند قوم فوائد

كنب احمد مصطفى في صحيفة الخليج.

مع تشديد أمريكا والدول الغربية العقوبات غير المسبوقة على روسيا، إضافة إلى العقوبات منذ سنوات على دول أخرى من كوبا إلى إيران إلى فنزويلا مروراً بغيرها، تتطور سوق كبيرة للالتفاف على العقوبات بما يجعلها غير مؤثرة. وكما تفعل الطبيعة بأن «تجد دائماً طريقة أخرى» لتجاوز التحديات، وجد التجار سبلاً مبتكرة لتجاوز العقوبات الاقتصادية.

في أكثر من تقرير لمؤسسات كبرى معنية بتجارة النفط وبالشحن البحري عموماً صدرت في الأيام الأخيرة، نلحظ زيادة كبيرة في نقل النفط بحراً في محاولة الالتفاف على العقوبات. وحسب أغلب تلك التقرير وصل حجم تلك التجارة في الربع الثالث من هذا العام إلى أكثر من 115 مليون دولار في فترة الأشهر الثلاثة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول.

تعتمد تلك التجارة في النفط المشحون بحراً على أسطول يزداد حجماً من الناقلات التي توصف بأنها «مخفية» وتقوم بتفريغ حمولاتها من الخام والمشتقات من سفينة إلى أخرى في مياه البحار لإخفاء مصدر النفط. هذا الأسطول الخفي تضاعف ربما عشر مرات في العام الأخير.

وزاد نشاط أسطول الناقلات الخفية تلك على خطوط التجارة ما بين غرب إفريقيا وسواحل أمريكا اللاتينية وفي المياه الإيرانية والروسية. وتجد شحنات النفط والمشتقات في تلك التجارة مشترين يستفيدون من خصم الأسعار مقابل أسعار الطاقة العالمية المرتفعة. في الوقت نفسه تستفيد الدول الخاضعة للعقوبات من زيادة صادراتها وتعزيز عائداتها بالالتفاف على العقوبات.

وهكذا، فالكل رابح في تلك التجارة حتى أصحاب تلك السفن التي ما كان لها أن تعمل بهذا النشاط وتحقيق العائد لشركاتها في تجارة النفط العادية. وبدلاً من أن تؤدي العقوبات والحصار الاقتصادي إلى الإضرار بالدول الخاضعة لها، تمكنها من الصمود بل وتفيد العقوبات شركاءها التجاريين ووسطاء التجارة والنقل.

كل ذلك لا يعني أن العقوبات الاقتصادية ليس لها تأثير على اقتصاد الدول الخاضعة لها، لكن ذلك التأثير ليس بالقدر الذي يأمله من يفرضونها.

وكما أن العقوبات أدت إلى تطوير هذا الشكل من أشكال التجارة غير الرسمية، خاصة في النفط ومشتقاته، فهي أيضاً وفرت وظائف كثيرة لم تكن موجودة من قبل في هيئات الرقابة والمتابعة والتنظيم في الدول التي تفرض العقوبات. وأصبحت فوائد العقوبات لا تقتصر على التجار الجدد وإنما أيضاً على بيروقراطيات الحكومات التي تفرضها.

تبقى المشكلة أن ذلك التضخم في التجارة الموازية وبالسبل «الخفية» وجيش الموظفين الذين يتولون جهود مواجهتها قد يصل إلى الحد الذي يجعل التخلص منه مشكلة أخرى.

صحيح أن كل هذا لا يعني أن العقوبات الاقتصادية فقدت أهميتها بعد كسلاح في أي صراع، لكنه يصبح شيئاً فشيئاً سلاحاً أقل فاعلية مع تطور آليات الالتفاف عليها بهذا الشكل وزيادة عدد من لهم مصلحة في وجودها. ويبقى المتضرر الأكبر منها هو التجارة العالمية الرسمية وبالتالي أيضاً مسار العولمة الاقتصادية.

إذا كانت العقوبات تنفع البعض فإن ضررها على بقية العالم، غير فارضيها والمفروضة عليهم، أكبر بكثير من نفعها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى