عزمي بشارة: تداول أميركا بالدولة الفلسطينية لفظياً تسويغ لاستئناف التطبيع
وضع المدير العام لـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، الدكتور عزمي بشارة، استئناف طرح أميركا الدولة الفلسطينية للتداول اللفظي، في خانة تسويغ العودة إلى التطبيع مع الدول العربية. وفي حين رأى أن أميركا تعتبر حركة “حماس” عائقاً أمام ترتيباتها للمنطقة، اختصر المطروح اليوم بالحديث الأميركي عن الدولة الفلسطينية بأن تطلق السلطة الفلسطينية الحالية على نفسها اسم دولة من دون أي صفة من صفات الدولة. كذلك، نفى بشارة وجود أي جديد يتعلق بمفاوضات إطلاق سراح الرهائن في غزة ووقف إطلاق النار، معرباً عن خشيته من أن “نعود إلى ما هو أسوأ مما كان فلسطينياً” في حال لم تطرأ تغييرات جذرية لجهة الخروج بموقف فلسطيني موحد، وحصول تغير جذري في المواقف العربية المتفرجة، مشيراً في هذا السياق إلى أن التضحيات الفلسطينية كان يمكن أن تترجم إنجازاً سياسياً لو كان هناك طرف عربي وازن يحملها.
“حماس” وترتيبات أميركا للمنطقة
وقال بشارة، في حوار خاص مع تلفزيون “العربي” من مدينة لوسيل في دولة قطر، في اليوم 107 للحرب مساء الأحد، إن بعض التغييرات طرأت على العدوان بالفعل، أهمها أن المدة التي احتاجتها إسرائيل لتقوم بمهامها كانت أطول من التي توقعها الأميركيون والإسرائيليون، ذلك أن هدفاً إسرائيلياً واحداً تحقق وهو تدمير قطاع غزة وجعله غير قابل للحياة. واقع رأى أن إسرائيل ستضطر معه إلى الانتقال لمرحلة جديدة من الحرب تقوم على العمليات المحددة وليس القصف الشامل، وهذا يعود بشكل أساسي إلى ضرورات عسكرية، ذلك أن القصف استنزف نفسه ولا يؤدي إلى قتل قيادات “حماس”.
عزمي بشارة: أميركا تعتبر “حماس” عائقاً أمام ترتيباتها للمنطقة
وجزم في هذا الإطار بأن أميركا لا تزال تدعم حرب إسرائيل وهدفها الرئيسي، أي القضاء على قوة حماس العسكرية. والسبب الرئيسي لذلك، برأي المفكر العربي، أن الرئيس جو بايدن يعتبر “حماس” عائقاً أمام الترتيبات الأميركية للمنطقة (ملاحظة من المحرر: في إشارة إلى تطبيع عربي ــ إسرائيلي يتيح لواشنطن إيلاء الأولوية لجنوب شرق آسيا والتحدي الصيني أكثر من منطقة الشرق الأوسط).
وذكّر بشارة بأن بايدن سبق له أن قال علناً إن بلده كان يقترب من إنجاز تطبيع سعودي ــ إسرائيلي، وإن “حماس”، من خلال عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أفشلت ذلك. ولاحظ المفكر العربي أن بايدن لم يستنتج من ذلك أنه يستحيل إنجاز التطبيع من دون حل القضية الفلسطينية، بل استنتج أن الحل هو القضاء على “حماس”.
الدولة الفلسطينية بالاسم مقابل التطبيع
ورداً على سؤال حول الحديث الأميركي المتكرر عن دولة فلسطينية، حذر بشارة من أن يقبل العرب بوعد أميركي أو بتعهد إسرائيلي بقبول دولة فلسطينية كشرط كافٍ للتطبيع، واصفاً ذلك بأنه “سيكون أكبر إهدار لكل تضحيات الفلسطينيين”.
عزمي بشارة: التضحيات الفلسطينية كان يمكن أن تترجم إنجازاً سياسياً لو كان هناك طرف عربي وازن يحملها
ونصح أن يتذكر المسؤولون العرب أن كل الكوارث غير المسبوقة التي تقضي على الفلسطينيين وقضيتهم حصلت بعد موجة التطبيع (عام 2020 أو ما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية). وعن هذا الموضوع، أعرب بشارة عن ثقته بأن التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني والمقاومة كان يمكن أن تُترجم إلى إنجاز سياسي هائل لو كان هناك طرف عربي وازن يحملها.
في غضون ذلك، كشف بشارة عن أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لم يقم بجولته الأخيرة إلى المنطقة لمناقشة وقف الحرب، “بل لمناقشة مرحلة ما بعد انتهاء الحرب” أو “اليوم التالي”، مستدركاً بأن الوزير الأميركي بذلك “يفترض أن إسرائيل ستنجز هدفها بالقضاء على حماس، وهذا يعني أن الأطراف العربية التي تشارك في النقاش، إنما تناقش ماذا سيجري بعد القضاء على حماس”.
عزمي بشارة: المطروح اليوم هو أن تطلق السلطة الفلسطينية الحالية على نفسها اسم دولة من دون أي صفة من صفات الدولة
وجزم بشارة بأنه يحق للمواطن العربي أن يعرف ماذا يقول حكامه مثلاً لبلينكن عندما يخبرهم بالترتيبات التي يطرحها لغزة ولفلسطين. ترتيبات اختصرها بشارة بأن المطروح فيها اليوم هو أن “تطلق السلطة الفلسطينية الحالية على نفسها، إن سُمح لها بأن تمتد إلى غزة، اسم دولة من دون أي صفة من صفات الدولة”.
وتوقف مدير “المركز العربي” عند موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المعروف لناحية أن غرب نهر الأردن (كل فلسطين التاريخية) يجب أن يكون أرضاً إسرائيلية، وهذا يُترجم في سعيه الجدّي لضم المنطقة جيم (غالبية مساحة الضفة)، وبرأي بشارة، هذا سيحصل في نهاية الأمر. لكنه شدد على أن هذا “لا يمنعه من قبول سلطة فلسطينية لا يحترمها على شاكلة تلك الموجودة الآن، بينما شركاؤه المتطرفون لا يرون ضرورة في وجود حتى مثل هذه السلطة وأدوارها الأمنية”، ليخلص إلى أن “اليمين الإسرائيلي في ترتيباته، لا يأخذ حتى هذه السلطة في عين الاعتبار”.
عزمي بشارة: بلينكن لم يأت لمناقشة وقف الحرب بل لمناقشة مرحلة ما بعد انتهاء الحرب
وعن تهافت ما يطرحه المسؤولون الأميركيون اليوم عن دولة فلسطينية قد تكون منزوعة السلاح، ذكّر بشارة بالموقف القديم لنتنياهو، والذي يعود إلى عام 2009، وقد أعلنه في جامعة بار إيلان عندما وافق على إقامة دولة فلسطينية بشروط تنسف فكرتها، وكيف أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما منذ ذلك الحين سحب يده من الموضوع لأنه لا يريد الضغط على إسرائيل، وفهم أن إسرائيل من غير الوارد أن تقبل بدولة فلسطينية. كذلك، ذكّر كيف أن وزير الخارجية الأميركي حينها جون كيري اتهم إسرائيل بالمسؤولية عن إفشال مشروع الدولة الفلسطينية، وكل ذلك في إطار تحذير بشارة من القبول بوعد أميركي بإقامة دولة فلسطينية في مقابل التطبيع مع إسرائيل.
عزمي بشارة: بعض المسؤولين العرب يكافئون إسرائيل على حروبها وتطرفها بالتطبيع
وتابع أن بعض المسؤولين العرب حين يكافئون إسرائيل على حروبها وتطرفها بالتطبيع، فهذا يؤكد مقولة إنهم لا يفهمون إلا لغة القوة. وحذّرهم من أنه على المدى البعيد، ستكون مكانتهم الاستراتيجية والإقليمية صفراً طالما أنهم عجزوا حتى عن إدخال مساعدات إلى شعب يُقتل ويجوَّع. ونصح بشارة مسؤولي الدول العربية بأنهم يستفيدون من تحالفهم مع أميركا في حال كانوا حليفاً ندّاً لها بشروطهم مثلما تفعل إسرائيل. أما إن استمروا على سلوكهم الحالي كفرادى وبمناكفات ومصالح ضيقة وأنانيات، فإنهم يقضون على أنفسهم، بحسب تقديره.
وثيقة حماس والرواية الفلسطينية
وفي ما يتعلق بالوثيقة التي أصدرتها حركة حماس اليوم الأحد، وقدمت فيها روايتها لعملية السابع من أكتوبر وأسبابها وأهدافها وتعريفها لنفسها سياسياً، في 18 صفحة، لفت بشارة إلى أن صدور الوثيقة أمر جيد ولو أن ذلك تأخر حصوله، ووصفها بأنها مصاغة بشكل جيد، و”يصعب توقع أفضل من ذلك من حماس لناحية الصياغات والمفاهيم”.
وتوقف عند إيجابيات ما تضمنته الوثيقة بالحديث عن المدنيين وعن أسباب عملية السابع من أكتوبر والهدف منها، ولجهة وصف الحركة نفسها بأنها لا تعادي اليهود، وأنها حركة إسلامية وسطية وحركة تحرر وطني. وأسف المفكر العربي لحقيقة أنه سياسياً “لو كان هناك طرف فلسطيني مقابل غير تلك السلطة الموجودة الآن في رام الله، لكان تعامل مع الوثيقة على أنها خطوة كبيرة على أساسها يمكن بناء عليها ما هو أكثر من حوار فلسطيني ـ فلسطيني”. وأضاف بشارة: “نلوم الأميركيين والغربيين والعرب على موقفهم، لكن ماذا عن الطرف الفلسطيني في اتخاذه موقف المتفرج، بدل الخروج بموقف واحد مع حماس يتصدى لما يتم الترتيب له؟”.
وكرر موقفه من ضرورة أن تكون القيادة السياسية الفلسطينية موحدة، وأن تطرح ما هو مقبول بالنسبة إليها وتواجه ما ليس مقبولاً، وذلك يبدأ برأيه بأن تدخل “حماس” إلى منظمة التحرير الفلسطينية، فحركة التحرر الفلسطينية، يقول بشارة، “ليست الوحيدة في العالم التي تُتهم بالإرهاب ثم يجلسون معها ويفاوضونها ولو مضطرين”.