أبرزشؤون لبنانية

عربيد: اللامركزية ضرورة وطنية ملحّة

افتتح “التجدد للوطن” مؤتمره التشاركي الثالث تحت عنوان “اللامركزية: آن الاوان” في واجهة بيروت البحرية.

وألقى عربيد كلمة قال فيها: “هذا الشعب المتميّز تجتمع فيه تناقضات عجيبة، يجمَعُ منها خصائصه الفريدة التي تجعله حالةً جماليةً خاصة، وتركيبةً اجتماعيةً وثقافية استثنائية بين الشعوب. قد بُني هذا الاستثناء على تنوعٍ داخلي ثمينٍ وثري. وعلى تجربةٍ عالمية يخوضها أبناؤه في أنحاء المعمورة منذ أن وُجدوا. حملةَ نورٍ في العتمة، ورسلاً للتميز حيثما حلّوا وارتحلوا. ذلك الثراء يعاني عيبٍ منهك، يتحول أحياناً إلى قاتل. هو أنه يُشعّ نوراً من الأفراد حين يتفردون، ثم ما يلبث أن يتحول ناراً إذا اجتمعوا. هذه الثنائية هي التي طبعت تاريخ لبنان الحديث، فترجمت بتوالي فترات الحروب الطاحنة، وفترات النهوض المشرقة بالأمل.بين الدموع والأمل، كان العنوان المختصر لهذه التجربة، إبداعٌ فردي، وإخفاق جماعي يؤكده في كل مرة فشل مشروع الدولة. من هنا، يمكن استذكار جميع الصيغ التي طرحها اللبنانيون للبنان، أو تلك التي طرحها الآخرون له، لكن الحقيقة الواحدة كانت دائما تؤكد نفسها: وهي أننا لم ننجح في تأسيس نظامٍ يعمل، بل محاولات تُجرب ثم تقع ، بعد أن تستهلك جهودنا وآمالنا. فشلت المركزية الشديدة، ولم تفلح طروحات التقسيم، وتوالت المشروعات التي طَوّبت كل مرحلة من مراحل الدولة باسم طائفةٍ من طوائفنا، وجميعها فشلت، وفشلنا جميعنا. والآن، نصل من هذه المنطلقات لحظةَ حقيقةٍ جديدة، لحظة نطرح فيها خياراً آخر، من فوق الخلافات كلها من قلب حاجة الدولة إلى أن تعمل، وتستقر وترعى”.

وقال: “ان الخيار الذي نراه، بعيدٌ من اصطفافات الجماعات وبواعثها، وقريبٌ من كل مواطن فرد، وما يأمله من وطنه ومستقبله. اللامركزية تجاوزت أن تكون ترفاً فكرياً أو مجرد مطلب إصلاحي، لتصبح ضرورة وطنية ملحّة لضمان فاعلية الدولة ووحدة المجتمع. هنا، حيث تتعدد الطوائف وتتنوع الانتماءات السياسية والثقافية، لا يمكن لإدارة مركزية جامدة أن تلبّي تطلعات الناس بسبب صراعات الأحزاب والسياسيين، ولا أن تستوعب تعقيدات الواقع. لقد أثبتت التجربة أن المركزية المفرطة لم تنتج إلا التهميش، والهدر، والشلل المتكرر في مؤسسات الدولة. فمن طبيعة السلطة أن يشتدّ الصراع عليها كلّما تركّزت، وأن ينخفض كلّما توزّعت. وعليه نرى في “التجدد للوطن” أن اللامركزية هي ركيزة أساسية لأي مشروع إصلاحي جاد، وباب واسع لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. لقد آن الأوان لتنمية متوازنة وشاملة، التي لا يمكن أن تُفرض من فوق، ولا تُخطط في أبراج عاجية بعيدة عن مصالح الناس. فلكل منطقة في لبنان حاجات مختلفة، وميزات تنافسية، وطاقات مضافة، تغني الاجتماع العام الوطني. ومن هذا الواقع تنبع الحاجة إلى تمكين السلطات المحلية من تحديد أولوياتها، وتخطيط مشروعاتها، وتنفيذها بفاعلية، استناداً إلى ما تعرفه من خصوصيات مساحتها. اللامركزية هنا ليست حواجز نفسية ومناخات فئوية. هكذا تخرج المشروعات من سجن البيروقراطية وقيودِ المحسوبية، فتغدو لوحة مفاتيح واسعة للنمو وتوسيع الفرص، وتطلق ديناميات محلية تُسكِن وجع النزوح الداخلي، وتوقف هدر الطاقات في الهجرة الخارجية، وتُحفّز الاقتصاد من القاعدة لا من القمة”.

أضاف: آن الأوان، لترسيخ الشفافية والمحاسبة. وغيابهما من بين المعضلات الكبرى التي يواجهها لبنان.  ليست اللامركزية هنا حلاً سحرياً، لكنها تتيح تقريب القرار من المواطن، وتعزيز الرقابة المجتمعية، وخلق بيئة سياسية وإدارية أكثر التزامًا بالشفافية. وهذه خطوة أساسية في معركة استعادة الثقة، وضمان الاستخدام الرشيد للمال العام. لقد آن الأوان، لاستقرارٍ سياسيٍ واجتماعيٍ دائمٍ. ونحن في “التجدد للوطن” نؤمن أن الاستقرار يُحصّن بالفهم والإنصات والحوار، والاعتراف المتبادل، والمشاركة العادلة. اللامركزية تُشكّل إطاراً عقلانياً وواقعياً لاحتواء التوترات، وامتصاص الهواجس، وإشراك الجميع في القرار. إن منح كل منطقة القدرة على إدارة شؤونها تحت حكم القانون وفي ظلال عدالته، لا يعني التفكك، بل يؤسّس لوطن أقوى، وأكثر تماسكًا. وطن يشعر فيه كل لبناني أنه جزء من الحل، وليس مجرد تابع لقرارات تُتّخذ في مكان آخر. لقد آن الأوان لنُخرج الحكم من منطق المركزية المرهِقة، إلى فضاء اللامركزية المُنتجة. من منطق الإقصاء، إلى منطق المشاركة. ومن سياسة الانتظار، إلى دينامية المبادرة”.

وختم: “أيها اللبنانيون، إن مشروع اللامركزية ليس مشروع “التجدد للوطن” وحده هو مشروع كل لبناني يؤمن بأن الدولة تبنى بالتكامل. دعوتنا اليوم هي دعوة لتجديد العقد الوطني. لتوزيع المسؤولية، وتفعيل المساءلة، وتحرير الطاقات. دعوة إلى بناء وطن لا يُدار إلا من نبض الناس وهمومهم اليومية. لنقف معًا من أجل لامركزية تحقّق التنمية، وتكرّس الشفافية، وتعزّز الاستقرار، وتفتح باب المستقبل. أنتم أصحاب القرار، بين أن نكرر تجارب فشِلت مرّات متكررة، أو أن يتجدد الوطن”.

المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى