عدم جدوى عقوبات واشنطن على الأسد
كتب بشير البكر في العربي الجديد.
لم يكترث رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، بتشديد واشنطن قوانين العقوبات عليه. وجديدها أخيراً مصادقة مجلس النواب الأميركي، بالأغلبية المطلقة، على مشروع قانونٍ يجدّد عقوبات “قانون قيصر”، ويمنع الولايات المتحدة من “الاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية، يقودها بشّار الأسد”. وكالعادة، أدار النظام ظهره للإجراءات الأميركية، التي تتوالى في صيغة قوانين عن الكونغرس، لم تُترجم إلى نتائج ملموسة فيما يتعلق بتقديم النظام تنازلاتٍ بخصوص الحلّ السياسي، وفق القرارات الأممية، وخصوصا قرار مجلس الأمن 2254، الذي أنفقت الأمم المتحدة عدة سنوات من أجل تطبيقه، ولكنها فشلت بسبب مماطلة النظام الذي شارك في اجتماعات اللجنة الدستورية، لكنه رفض كتابة دستور جديد. ولم يكن ليلجأ إلى أسلوب تضييع الوقت، وتمييع القضية، لو لم يدرك مسبقاً أن سقف الضغوط الدولية عليه منخفض، لا يتجاوز فرض عقوبات، أصبح قادراً على التعايش معها، أو التحايل عليها، بدعم من روسيا وإيران.
كان واضحا، منذ البداية، أن العقوبات الأميركية على النظام السوري لا تمتلك الأدوات الكافية من أجل تحويلها إلى سلاح فعال، يخيف رئيس النظام وبطانته. ورغم أنها تبدو، من حيث الشكل، صارمة وقاسية، وتُنذر بتركيع الأسد، فإنها مليئة بالثغرات التي سمحت لأطراف عربية ودولية بتجاوزها، والذهاب حد تشجيع النظام على خرقها، وعصيانها علانية، ومن ذلك خطوات التطبيع التي قامت بها دولٌ عربية أعادت فتح سفاراتها في دمشق، والتواصل مع النظام على أعلى المستويات، ودعوة رئيسه إلى حضور مؤتمر القمة العربية في الرياض في مايو/ أيار الماضي، على أساس سياسة الخطوة خطوة، المشفوعة بوعود اقتصادية مهمة، مقابل إبداء مرونة على صعيد الحلّ السياسي، تبدأ بتقديم ضماناتٍ لعودة ملايين اللاجئين السوريين من دول الجوار، لبنان، تركيا، والأردن.
لا يمتلك النظام مقومات الصمود الذاتي، ويدين بأسباب البقاء المادية والعسكرية إلى كل من روسيا وإيران، وهذا ليس جديدا، فالقضية السورية خرجت من يد أهلها، وصارت شأنا دوليا منذ الأشهر الأولى لعام 2011، وليس النظام وحدَه من رهن قراره بيد أطراف خارجية، بل المعارضة كذلك. ويعدّ حال البؤس الذي آلت إليه محصلة طبيعية لعدم استقلاليتها، وهي بتشكيلاتها كافة، بما فيها الائتلاف الوطني، لم تعد تمثل السوريين، وبات قرارُها بيد أطراف دولية، صاحبة مصالح في سورية، لا صلة لها بمطالب السوريين السياسية، ولا بمعاناتهم في بلدان اللجوء، وسوء أحوالهم المعيشية، وتعرّضهم لموجات قوية من العنصرية.
ليس الحل بعزوف واشنطن عن تشديد العقوبات على الأسد ونظامه، بل هذه الخطوة ضرورية، وكي تكون مفيدة يجب أن تكون فعّالة، وأن لا يقتصر التحرّك الدولي عليها. ويجب أن يترافق مع تحريك المسألة السورية في الأمم المتحدة، بغضّ النظر عن مواقف الأطراف الداعمة لنظام الأسد. وفي وسع الضغط الدولي إلزام النظام وداعميه، باحترام شروط العودة الطوعية الآمنة للاجئين إلى بيوتهم، وممارسة حياتهم بصورة خالية من القمع والترهيب. وبعيدا عن ذلك، على المجتمع الدولي توفير حماية للاجئين، الذين يواجهون تراجع الدعم من المنظمات الإنسانية الدولية، والتدخّل لدى الدول المستقبلة للاجئين، كي تطبق على نحو عادل الاتفاقات الخاصة بحماية اللاجئين، واحترام حقوقهم في الكرامة الإنسانية والصحة والتعليم والسكن والغذاء. وكما هو معروفٌ اليوم هناك شكاوى من منظمات دولية بشأن المعاملة غير اللائقة للاجئين السوريين في أكثر من بلد، ومن ذلك عمليات ترحيل قسري، لا تراعي شروط العودة الآمنة المنصوص عليها في الاتفاقات الدولية. وإذا لم يحصل تحرّك دولي جادّ على هذا المستوى، سوف تزداد الأوضاع سوءا، وتتحول قضية اللاجئين السوريين إلى استثمار مربح في المعاناة.