عبد الهادي محفوظ : هدنة لا اتفاق وخريطة أميركية متعثرة
قال رئيس المجلس الوطني للاعلام لمرئي والمسموع، في بيان:”الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول كان قد نصح دافيد بن غوريون:”عليكم أن تصبحوا أناسا كالباقين وتوقفوا عن التصرف كالحمقى.
واضح أن الغرب الأوروبي والأميركي يتعاطى مع دولة اسرائيل من موقع الضعف. فهذا الغرب هو الذي كان وراء الهجرة اليهودية إلى فلسطين تحت عنوان أنها “أرض بلا شعب” في سعي منه إلى حل النزاعات الأوروبية بين المسيحيين واليهود خصوصا وأن ألمانيا أرادت أن تكون دولة قومية خالصة ومثلها باقي الدول الأوروبية التي لم تكن تعتبر اليهود من مواطنيها”.
ومن هنا، يعتبر الغرب الأميركي والأوروبي أن اسرائيل من “صناعته” ويبرر لها الخروج على القانون الدولي الإنساني ويدرج ذلك “في حق الدفاع عن النفس”. وهذا ما يفسر كيف أن الحكومة الاسرائيلية لا يهمها رأي محكمة العدل الدولية كما أن رئيسها بنيامين نتنياهو ينتقد الرئيس الأميركي جو بايدن عندما يتكلم عن التحولات في الرأي العام الدولي التي ليست في مصلحة اسرائيل حيث يرى أن 82 في المئة من الرأي العام الأميركي يساند الحرب الاسرائيلية على غزة خلافا لرأي الرئيس الأميركي”.
أضاف :”يكاد يكون هناك إجماع دولي نظري على حل الدولتين وعلى ضرورة وقف النار. ومع ذلك السقف الفعلي الممكن الوصول إليه هو هدنة قد تطول أو تقصر. أما الإتفاق الفعلي فهو بعيد رغم خريطة الطريق الأميركية التي تبدأ بوقف للنار وبتبادل الأسرى وتشكيل حكومة فلسطينية من التكنوقراط وعودة متدرجة للنازحين الفلسطينيين من رفح إلى الشمال من دون استبعاد عودة المواجهات العسكرية.
خريطة الطريق الأميركية تدعمها السعودية ومصر وقطر والإمارات العربية ولا تلقى اعتراض “حركة حماس”، باعتبار أن “حكومة التكنوقراط” لا تلغي نفوذ حماس في غزة وتمدد هذا النفوذ إلى الضفة الغربية. وإذا كانت هذه الحكومة هي تعبير عن السلطة الفلسطينية المتجددة فهي تنتقص عمليا من نفوذ السلطة الفلسطينية الحالية لأنها مطالبة بإجراء الإصلاحات وبمواجهة الفساد وتكون تتويجا “لتفاهمات فلسطينية” ولاستيعاب “حماس” في إطار منظمة التحرير والقبول بفكرة الدولتين التي لا تجد النور بفعل الإعتراض الاسرائيلي الراهن”.
قد تكون “الهدنة” مدخلا لاتفاق مؤجل إلى أمد آخر لوقف النار يقطع الطريق على عملية عسكرية باتجاه رفح. وهذا الأمر مرهون بعدد من العناصر منها: صعوبة الإجهاز على حماس. هذا أولا. وثانيا عدم قدرة اسرائيل على الفصل بين الربط الفعلي بين غزة والجنوب اللبناني. وثالثا تحكم حزب الله بقواعد الإشتباك في المواجهة وبالخطوط الحمر. رابعا الضغوظ المتصاعدة لأهالي الأسرى الاسرائيليين على حكومة نتنياهو واليمين المتطرف. وخامسا تلويح الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على الوزيرين المتطرفين في الحكومة الاسرائيلية ايتمار بن غفير و بتسائيل سموتريتش وعلى المستوطنين. وسادسا مرونة “حماس” في التعامل مع الضغوط المصرية والقطرية. وسابعا مخاوف الرئيس الأميركي جو بايدن من الانعكاسات السلبية لاستمرار الحرب في غزة بعد بروز موجة في الحزب الديموقراطي تدعو إلى مقاطعة انتخابه ما لم يغير من مواقفه الداعمة لاسرائيل. وثامنا القناعة الدولية بأن اسرائيل لن تنجح في إطفاء حرارة القضية الفلسطينية التي ارتفعت مع عملية غلاف الأقصى. وتاسعا مدى قدرة واشنطن على لجم السياسات الاستيطانية في الضفة الغربية وغزة. وعاشرا لجم واشنطن لاسرائيل على وضع اليد على النفط والغاز في بحر غزة والموجود بكميات كبيرة خصوصا وأن مصادر أميركية تملك معلومات من جهات اسرائيلية بأن ارييل شارون ما كان لينسحب من غزة لو كان على معرفة بوجود النفط فيها”.
وتابع :”أيا يكن الأمر. في سياق السباق على تحقيق الهدنة يبرز في شكل خاص دور أجهزة الإستخبارات الأميركية والمصرية والاسرائيلية وتحديدا دور رئيس السي.آي.اي. ويليام بيرنز الذي يحاول أن يربط بين مصالح متعارضة وأن يجنب المنطقة من صراع يمكن السيطرة عليه إلى صراع وجود خصوصا وأن واشنطن مقتنعة بأن اسرائيل لن تستطيع أن تنهي القضية الفلسطينية. فواشنطن هي الفاعل الرئيسي في الاقليم، فيما سلوك اليمين الديني اليهودي يندرج في تخريب ما تسعى إليه الإدارة الأميركية لتطبيع واسع بين اسرائيل والدول العربية على قاعدة ضمان وجود دولة اسرائيل في إطار الرؤية الأميركية لا رؤية غلاة المتطرفين الاسرائيليين أمثال بن غفير.
ختاما، لبنان جزء من تعقيدات الاقليم. وهو وإن كان لا يشكل في الحسابات الأميركية مجالا لاهتمام أميركي خاص وفقا لتقديرات الديبلوماسي الأميركي السابق ديفيد هيل في كتابه الأخير”الديبلوماسية الأميركية تجاه لبنان”، إلا أن هذا الوطن الصغير الذي اعتبره هيل تعبيرا عن المصالح الاقليمية يمكنه أن يكون عنصر تفجير للمنطقة ما لم يتم احتواءه بما هو أبعد من وقف النار… ولعل هذا سر الاهتمام الخاص لعاموس هوكشتين بإطفاء الحريق تلازما مع هدنة غزة”.