رأي

عبادة الأسلاف، نكرانُ الحياة.

كتب شربل داغر في صحيفة نداء الوطن.

لا تخلو الكتابات والمواقف في غير بلد عربي من عودة نشطة، بل زاهرة، لما يمكن تسميته بـ: عبادة الأسلاف.

وهؤلاء لا يشملون الأجداد البعيدين من بني هلال أو عبس أو مضر أو كليب، أو من الأسر والبيوتات المكرمة، بل يشملون الأسلاف القريبِين، ممن لا يصلحون- لغير سبب وسبب- في أن يكونوا أسلافاً مبجلين.

هؤلاء الأسلاف المكرمون لا يعدو أن يكونوا عدداً من المستبدِين الذين حكموا في هذا البلد العربي أو ذاك في العقود الأخيرة، والذين بات بعضهم أشبه بكبار الشهداء والصالحِين.

هذه البلاد، التي عرفتْ في تاريخها السياسي الماضي علاقة لازمة بين «الغلبة» و»الوراثة» (حسب عبد الرحمن الكواكبي)، تُتابعُ، في عقودها المتأخرة، سياسات الخضوع للحاكم المطلق، أي للديكتاتور.

كان الفقهاء القدماء يخشون أي تهديد لـ»أمة الإسلام»، فيَقبلون تلقائياً بالحاكم الجديد، أو «الملك العضوض» (كما تحدث الجاحظ)، أو الأمير «المستولي» على الحكم، ولو على حساب المحكومِين، المغلوبِين على أمرهم. هكذا كانوا يَقبلون ويُشرّعون أي غلبة مستجدة لغير أسرة إسلامية حاكمة، بذريعة أنهم يحمون ديار الإسلام.

يَقبلون بهم، ولا ينتقدون أي حاكم حتى لو كان مستبداً وجائراً.

وقد تكون استكانة الفقهاء القديمة إظهاراً ناصعاً لِما كانت عليه سياسات الغلبة والتحكم.

الأيام تغيرت. بتنا في جمهوريات أو في ممالك وإمارات، تحت رعاية الدستور، إلا أن السياسات عينها متمادية، وباتت أسباب التهديد متعينة في: الكيان الصهيوني، والإمبريالية الأميركية… وإن لم تكفِ تعيينات التهديد هذه، أضيف إليها تهديد الإسلام، حتى إن عَلَم دولة عربية قومية وعلمانية تحول إلى: «الله أكبر».

هذا ما يُجفِّف منابع السياسة، ويقطع أسباب نموها وتجددها، ويحيل المحكومِين إلى انتهازيين ومنتفعِين و»زبانية» للحاكم، في اختصار. أو يجعل من غالبيتهم الغالبة جماعات مغلوبة، «تَطلب السترة»، كما يقولون، وغير عارفة وغير ممارِسة لأبسط العمل السياسي. هذا ما يجعلها «تَهب» و»تَثور» في لحظة ضعف، سانحة، متولدة في الحكم. لهذه الأسباب وغيرها لا أتوانى عن الكتابة أن «الثورات» العربية، الموعودة أو المغدورة،… مستحيلة.

ولهذا يمكن الوقوع على ظواهر سياسية، مثل تجديد الولاء للديكتاتوريين السابقين-أولياء الكرامة العربية الجدد، بوصفها تنشيطاً شعبوياً لحياة سياسية غير قائمة، وغير ممكنة.

عودة هؤلاء إلى حماسة البعض السياسية لن تُبَيِّض تاريخهم الاستبدادي، ووجوههم الكالحة،

هي عودة رمزية، بائخة، ما يكشف نكران الذات، واتكالها على غيرها، في الحياة كما في ما بعد الموت.

أما نداء الحياة للحياة، فيقع أبعد من عبارة شاعر، أو إفاقة نظرية، أو ابتعاث جثة من رقادها: في ما يَجعل «الجماهير» (هذا اللفظ المشهور والغائب) تتكفل بأيامها، وبأمنها وأمانها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى