رأي

عام قبل الانتخابات الأميركية 2024

كتب خالد يماني في إندبندنت عربية

قبل عام من إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024 يبدو المشهد الاقتصادي أفضل بكثير من المشهد السياسي الذي تتنازعه التوترات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وزيادة نبرة المزاج اليميني الشعبوي الانتقامية التي ما زالت تضخ روحاً في تطلعات الرئيس السابق دونالد ترمب للعودة للبيت الأبيض على رغم كم القضايا الجنائية التي تستهدف مسيرته السياسية والمعروضة أمام القضاء الأميركي، من لوائح اتهام وجرائم فيدرالية مرفوعة ضده في أربع ولايات مختلفة.

مؤشرات الاقتصاد الأميركي بحسب التقارير الدولية تشير إلى تجاوزه هذا العام كل التوقعات في أبعاد رئيسة ثلاثة، ألا وهي نمو الناتج الاقتصادي، ومرونة سوق العمل، والتباطؤ الملحوظ في التضخم. ويشير آخر تقرير لصندوق النقد الدولي إلى أن الأداء الاقتصادي الأميركي يظل مصدراً مهماً لقوة الاقتصاد العالمي، فقد شهدت الولايات المتحدة خلال العام الحالي انتعاشاً للناتج المحلي الإجمالي، وهي تسير في طريق العودة للمستوى التصاعدي قبل فترة جائحة كورونا. ونظراً إلى المرونة الاقتصاد الأميركي فقد تراجعت معدلات التضخم الأميركي بوتائر أسرع بكثير من مثيلاتها في الدول المتقدمة الأخرى.

وفي المقابل فإن المؤشرات السياسية ما زالت متوترة قبل عام من حسم المعركة الانتخابية المقرر إجراؤها في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2024 الموافق لليوم الذي يحتفل فيه الشعب الأميركي بعيد العمل. ففي الجبهة الجمهورية ثمة سبعة مرشحين حتى الآن يتسابقون للفوز بالترشح لتمثيل الحزب في المعركة الانتخابية، وفي الجبهة الديمقراطية ينفرد الرئيس بايدن بالسباق لتجديد الثقة، ويبدو أنه المرشح الأوحد على رغم وجود مرشحين أقل شأناً. ويبقى ترمب هو المرشح الجمهوري الأكثر حظاً، والحاضر الأكبر في السباق على رغم عدم مشاركته في المناظرات الجمهورية مع بقية المتنافسين.

لسان حال الرئيس السابق يقول في وجه منافسيه من الحزب الجمهوري “أنا الحزب الجمهوري، ومن دوني فلا جمهوريون”. ويعتمد ترمب آلية خاصة للحديث إلى جماهيره بلغته الفريدة، وخطاباته النارية، ووعوده الانتقامية، وإصراره على وضع القوانين الصارمة لتقييد الهجرة إلى أميركا من بعض الدول بعينها، ومنها الإسلامية، كما فعل في رئاسته السابقة، ووضع مزيد من التقييد للتجارية مع الصين. فلا أحد يفوقه في التأثير الشعبوي في أميركا، اليوم، حتى إنه صار المالك الحصري لماركة الموجة الشعبوية التي باتت تنتشر في أميركا الجنوبية وأوروبا ودول أخرى في العالم.

وهناك حقيقة لا يمكن القفز فوقها، وهي أنه في المرة الأخيرة التي انتخبت فيه أميركا رئيسها برز حدث غير مسبوق في الديمقراطية الأميركية هز أركانها، وتمثل في الهجوم الخطر الذي استهدف عرين الديمقراطية الأميركية، مبنى الكابيتول، وهو الهجوم الذي يسميه الديمقراطيون “محاولة الانقلاب الفاشلة” التي ألحقت أضراراً جسيمة بالنظام السياسي الأميركي، وعرضت الانتقال السياسي السلمي للسلطة لأول مرة في التاريخ الأميركي للخطر، وهناك مخاوف جادة بإمكانية تكرارها في انتخابات 2024.

الحلبة بين بايدن إلى اليسار وترمب إلى اليمين

اليوم، على بعد عام من الحسم الانتخابي يبدو أن جو بايدن سيكون على موعد مع خصمه الشرس دونالد ترمب في معركة لم تنته بعد منذ 2020، وربما يكون أبرز ما يميزها أنها ستكون صراع كسر العظام بين كبار السن في غياب ملحوظ للفرص أمام شباب الحزبين عن المشهد في 2024، فالرئيس بايدن سيكون في عامه الـ82، فيما سيكون الرئيس السابق بعمر الـ78، مفاخراً بشبابه وحيويته في وجه من يطلق عليه بـ”جو النائم أو البطيء”، فيما يتعزز الانطباع لدى الديمقراطيين أن بايدن وحده القادر على هزيمة ترمب مجدداً.

وفي الواقع لم يتغير الاستقطاب السياسي بعد ثلاث سنوات منذ دخول بايدن إلى البيت الأبيض، فعلى رغم الإجراءات القانونية التي اعتمدتها الإدارة الديمقراطية عقب أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، فإن هناك قليلاً جداً من الأدلة التي تلمح إلى أن أولئك الذين هاجموا الديمقراطية قد عادوا عن مواقفهم، واستوعبوا أهمية حماية المنظومة الديمقراطية الضامنة لحق التعبير لكل الأميركيين. ويرى مراقبون أن التيار اليميني الشعبوي يزداد تحفزاً، ويتغذى بالخطابات النارية ووعود الانتقام من الخصوم، والتي ما انفك يطلقها الرئيس السابق.

وقد توعد الرئيس السابق خصومه من أن عودته ستحمل الانتقام، فهو يصر على سردية النصر الذي سرق منه في الانتخابات الماضية. ويحذر خبراء مستقلون في شؤون الانتخابات من تزايد التهديدات بممارسة العنف السياسي الذي بدأت ملامحه باستهداف عديد من القيادات الإشرافية عن العمليات الانتخابية في بعض الولايات، مما أدى إلى انسحابها، كما أكد ثلاثة من كل أربعة استفتوا في استطلاع حديث للرأي، أن الديمقراطية الأميركية معرضة للخطر في الانتخابات المقبلة.
وقد بدأ اليمين الشعبوي بممارسة الضغوط، والتلميح إلى أنه لن يقبل بنتائج الانتخابات، ولن يعتبرها شرعية في حال لم يفز فيها الرئيس السابق. ويحذر سياسيون وإعلاميون وخبراء في العمليات الديمقراطية من جملة من الأخطار التي قد تتهدد انتخابات 2024، ومن بينها مصاعب الوصول للناخبين إلى مراكز الاقتراع، وإدارة الانتخابات تحت مناخ من نشوب العنف والفوضى، مما يؤدي إلى إحجام الناخبين عن الخروج للتصويت، أو التخريب الصريح للنتائج بعد انتهاء التصويت وإعلان النتائج من خلال رفع آلاف من القضايا لعرقلة وإغراق عمل القضاء وإفشال احترام المهل القانونية لإعلان النتائج.

أما في الكونغرس، فإن الديمقراطيين يشيرون إلى خطورة الصعود الأخير للنائب مايك جونسون إلى منصب رئيس مجلس النواب، مما يزيد من مصادر القلق من حيث دوره من داخل مجلس النواب لعرقلة نتائج الانتخابات الماضية، وما يمكن أن يقوم به خلال الانتخابات المقبلة. ويحذر عديد من الديمقراطيين من سجل جونسون في مجال الديمقراطية، إذ أنكر نتائج الانتخابات السابقة، ولم يعلن اعترافه برئاسة بايدن، ولكن الرئيس بايدن لا يعتقد بخطورة جونسون ولا بقدرته على عرقلة نتائج الانتخابات، بقوله في تصريح للإعلام إن أنصار ترمب سبق وجربوا تقديم 60 دعوة قضائية أمام المحكمة العليا رفضت جميعها.

هل يخطف ترمب أميركا المنقسمة؟

ومع احتدام المنافسة الانتخابية بين الحزبين في الطريق إلى سبتمبر المقبل، يرى مراقبون أن السباق ستحسمه مجموعة صغيرة من المشاركين في التصويت في بعض الولايات غير المضمونة أو المتأرجحة في بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والتي تتفاوت ما بين ثمانٍ وأربع ولايات. ومن خلال دراسة المشهد الانتخابي في الرئاسات الأربع السابقة منذ أول انتصار لباراك أوباما في 2008، وصولاً إلى بايدن 2020، يتضح أن لكل حزب فرصاً تكاد تكون راسخة ومتساوية في 20 ولاية لكل منهما من بين الولايات الـ50، أي ما يوازي 80 في المئة من الحلبة الانتخابية، وتبقى ولايات 10 متأرجحة في أدائها الانتخابي بين الحزبين منذ عام 2008. ومن هذه الولايات المتأرجحة شهد بعض منها الاستقرار لصالح الجمهوريين في عهد ترمب مثل إنديانا وأيوا وأوهايو وفلوريدا وكارولينا الشمالية.

ويشير استفتاء أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى احتمال تخلف الرئيس الحالي وراء الرئيس السابق في خمس من ست ولايات حاسمة من المجموعة المتأرجحة، والتي من المقرر أن تكون هي ولايات الحسم في سباق 2024. ويسعى الرئيس السابق دونالد ترمب إلى دورة رئاسية ثانية غير متتالية، لم تتكرر منذ الرئيس كليفلاند في عام 1892.
فهل يحقق ترمب حلم العودة والانتقام من خصومه؟ أم أن الرئيس بايدن سيحول دون دخوله البيت الأبيض؟ وربما ينهي بذلك حياة ترمب السياسية، حتى وإن لم يستمر هو في المنصب لإكمال عهدته الرئاسية. وهل ستجري انتخابات 2024 في أجواء من التنافسية النظيفة والندية السياسية بعيداً من الفوضى، أم أن ذلك العهد الذي عرفته الديمقراطيات الغربية للتداول السياسي السلمي للسلطة سيشهد أفوله من أميركا، بلد التقاليد الديمقراطية، وحرية الرأي؟ ويبقى التحدي ماثلاً أمام قدرة المؤسسات المدنية التي صنعت أميركا المتفردة وحمت ديمقراطيتها التي نعرفها جميعاً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى