كتب عماد حسن, وجنيفر هولايس في “DW” :
أحدث الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل والحرب التي نتجت عنه في غزة سلسلة من التغييرات في المنطقة. هذه النغييرات طالت السعودية والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن ومصر. DW تسلط الضوء على أهم هذه التغييرات.
منذ أن جمدت المملكة العربية السعودية محادثات التطبيع مع إسرائيل في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، تحولت الصفقة المحتملة إلى ركيزة في مفاوضات السلام بين إسرائيل وحماس بدلاً من ذلك.
ويشار إلى أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وفي الوقت نفسه، أعاد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول إشعال التضامن المؤيد للفلسطينيين على المستوى الاجتماعي، كما قال سيباستيان سونز، الباحث الأول في مركر الفكر الألماني CARPO، لـ DW.
ومع ذلك، فمن الناحية السياسية والاقتصادية، يُنظر إلى الحرب بين إسرائيل وحماس على أنها تهديد مباشر للتحول الاجتماعي والاقتصادي الطموح للمملكة، بحسب ما قال سونز الذي أضاف: “في المقابل، ركزت السياسة السعودية على عمل توازن دبلوماسي خلال العام الماضي.”
لبنان.. عام من “القتال المسيطر عليه”
بعد وقت قصير من هجوم حماسعلى إسرائيل، بدأ الجناح المسلح المؤثر لحزب الله في لبنان بضرب شمال إسرائيل. وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ “منظمة إرهابية”.
وقالت كيلي بيتيلو، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ DW: “في البداية، تعرض حزب الله للانتقاد لقراره الانخراط في حرب مع إسرائيل وجر لبنان إليها”. وأضافت: “ومع ذلك، فقد حظي حزب الله أيضًا بدعم متزايد بين اللبنانيين منذ السابع من أكتوبر.”
وفي رأيها، فإن العديد من اللبنانيين غاضبون من سلوك إسرائيل في غزة وعدم تحقيق نتائج في الدبلوماسية الدولية. وقالت بيتيلو: “بدأ اللبنانيون يرون حزب الله كضامن وحيد لمساندة الفلسطينيين”.
ومع ذلك، فبعد ما يقرب من عام من ما يسميه المحللون “القتال المسيطر عليه”، تصاعد الوضع في سبتمبر/أيلول مع قتل إسرائيل لعدة قادة من حزب الله، وتنفيذ غارات برية في جنوب لبنان في أوائل أكتوبر/تشرين الأول.
قطاع غزة المحاصر.. عشرات القتلى في عمليات إسرائيلية
الأردن بعد عام من أحداث أكتوبر
أما الأردن المجاور، البلد الذي وقّع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994، فإنه يسير على حبل سياسي مشدود منذ عام. وبهذا الشأن، قالت بيتيلو لـ DW: “منذ السابع من أكتوبر، حاول الأردن في الغالب الموازنة بين الدعم الشعبي القوي للقضية الفلسطينية وعلاقاته مع إسرائيل”.
ومن جانبهما، فإن الملك عبد الله الثاني وزوجته الملكة رانيا – ذات الأصول الفلسطينية – قد صرّحا مرارًا أنهما غير مستعدين لاستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين. وفي هذا الإطار توضح بيتيلو أن “هذا الأمر سيعرّض القضية الفلسطينية بشكل عام للخطر، وهو انتهاك مباشر لمعاهدة السلام”.
وأضافت المحللة لـ DW بالقول: “ومع ذلك، ومع فتح جبهات جديدة محتملة – ليس فقط في لبنان ولكن أيضًا في الضفة الغربية- يجد الأردن نفسه في مواجهة السيناريو الكابوسي”. وتضيف: “هذا الوضع يعيد إشعال المخاوف الأولية التي ظهرت بعد السابع من أكتوبر حول احتمال حدوث تدفق للاجئين الفلسطينيين إلى الأردن”.
الضفة الغربية بعد عام من الأحداث
يزداد الوضع في الضفة الغربية المحتلة توتراً بشكل متصاعد ربما من قبل أحداث أكتوبر، وهذا ما أكده بيتر لينتل، الباحث في قسم إفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، الذي قال لـ DW إن “الوضع في الضفة الغربية كان متوترًا جدًا بالفعل قبل السابع من أكتوبر”.
وأضاف لينتل أن “السلطة الفلسطينية ضعيفة منذ سنوات، والمستوطنون اليهود يهاجمون الفلسطينيين، والحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية زادت من حدة التوترات بتأكيدها في برنامجها الائتلافي أن الضفة الغربية – أو كما يسمونها، يهودا والسامرة – يجب أن تكون فقط للشعب اليهودي، وقال إن “كل هذا تصاعد منذ السابع من أكتوبر”.
ويعتدي المستوطنون اليهود المتطرفون على المدنيين الفلسطينيين، بينما وصلت التوترات بين قوات الدفاع الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية المحتلة إلى ذروتها في سبتمبر/أيلول 2024.
وقال لينتل إن “الضفة الغربية برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة .. في الأوقات العادية، يمكن القول إن الوضع لا يُحتمل بالفعل مع وجود عدد كبير للغاية من القتلى، ولكن الحرب في غزة وأحداث السابع من أكتوبر تطغى على كل ذلك”.
أما عن سوريا، فقال لورينزو ترومبيتا، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط المقيم في بيروت ومستشار لوكالات الأمم المتحدة، لـ DW “إن الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر صرفت انتباه وسائل الإعلام بشكل أكبر عن سوريا والصراع المستمر لأكثر من 13 عامًا”.
وأضاف ترومبيتا أن الحرب الأهلية في سوريا أصبحت بشكل متزايد خاضعة لهيمنة القوى الأجنبية مثل روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، وأوضح أن “جميع الأطراف تدعي أنها تحارب الإرهاب، وتزعم أنها تهدف إلى تحقيق الاستقرار والأمن”.
في الوقت نفسه، فإن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان معزولًا على نطاق واسع في البداية بسبب قمعه لتظاهرات السوريين، بات يتم الترحيب به بشكل متزايد في الأوساط العربية والأوروبية.
وبهذا الصدد يقول ترومبيتا: “داخليًا، يبدو أن قبضة الأسد على السلطة لم تعد محل تساؤل”، مضيفاً أنه على مدى العام الماضي، ظل الأسد صامتًا بشأن الأحداث وتداعيات السابع من أكتوبر، وقال إن “نهج الأسد هو الدبلوماسية الهادئة بعيدًا عن الأضواء الإعلامية، بهدف تحقيق أهداف داخلية طويلة الأمد”.
مصر بعد عام من أحداث أكتوبر
وخلال عام، توترت العلاقات بين مصر وإسرائيل بشكل ملحوظ. ففي أحد تصريحاته حمل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مصر مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقال سموتريتش خلال تصريحات أمام اجتماع لحزبه اليميني المتطرف في فبراير/ شباط من هذا العام إن مصر “تتحمل مسؤولية كبيرة عما حدث لأن إمدادات الذخيرة لحماس تمر إلى حد كبير عبر مصر”.
لكن مصر انتقدت بشدة تلك التصريحات، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد تصريحات سموتريتش بأنها “غير مقبولة على الإطلاق وغير مسؤولة”. وأضاف أن التصريحات “لا تكشف إلا عن جوع للقتل والتدمير، وتخريب أي محاولة لاحتواء الأزمة في قطاع غزة”.
أيضاً، يدور غضب مكتوم داخل أروقة النظام المصري بسبب دمار معبر رفح على الجانب الفلسطيني ووصول إسرائيل إلى معبر فلادلفيا وهو ما رأت مصر أنه تصعيد لم يتم التشاور معها بشأنه.
وتحدثت صحف إسرائيلية كثيراً عن محاولات لدفع الفلسطينيين للنزوح من قطاع غزة إلى سيناء، وهي المسألة التي عارضتها مصر بشدة بسبب مخاوف من أن يصبح النزوح دائماً ما قد يزعزع استقرار منطقة سيناء، إضافة إلى المخاوف من تسلل عناصر مسلحة للداخل المصري، بحسب ما ذكر معهد الولايات المتحدة للسلام.
بالإضافة إلى ذلك، أثرت الحرب على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وخاصة مع توقف إسرائيل مؤقتًا عن تصدير الغاز إلى مصر، مما أدى إلى تعقيد العلاقات الهشة بالفعل، وفق ما ذكر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP).
وبينما تواصل الدولتان التمسك بمعاهدة السلام بينهما، إلا أن هناك مخاوف متزايدة من أن تتفاقم الأوضاع إلى مواجهات أكثر حدة بين البلدين، خاصة مع الضغط الداخلي من الشارع المصري الذي يطالب قيادته السياسية بلعب دور أكثر جدية في الصراع الدائر في غزة.
على جانب آخر، فمن بين جميع دول المنطقة، كانت مصر الدولة الوحيدة التي وجدت طريقة لاستغلال الأزمة لتعزيز أهميتها الجيوسياسية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كما قال تيموثي قلدس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، بواشنطن، لـ DW.
وأوضح قلدس أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “تعاون مع إسرائيل فيما يتعلق بإجراءات السماح بنقل البضائع إلى غزة والمساعدة في استمرار محاصرة القطاع”. وأضاف أن “الدور المركزي لمصر في مفاوضات وقف إطلاق النار أعاد تأكيد أهمية مصر في المشهد الدولي.”
لكن في المقابل، يرى قلدس أن “القاهرة حصلت لقاء ذلك على الكثير من الدعم الإضافي من واشنطن”. ومؤخراً منح البيت الأبيض مصرالمساعدات العسكرية السنوية بشكل كامل وهي المساعدات التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار (1.16 مليار يورو) لعام 2024.
ويقول قلدس: “هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها إدارة بايدن مبلغ المساعدات لمصر بالكامل”، مضيفًا أن واشنطن كانت تحتجز عادةً جزءًا من المبلغ وتشترط في مقابل ذلك تحسين وضع حقوق الإنسان. ويضيف: “مع ذلك، فإن مصر في الواقع تسجل تدهورًا كبيرًا في هذا الجانب”.
وقال قلدس إنه قبل السابع من أكتوبر، كان المصريون يركزون بشدة على حالة اقتصاد بلادهم الآخذ في التدهور، “لكن جرائم الحرب المروعة التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة شتت انتباههم”.
ويرى قلدس أن الرأي العام قد يتغير بشكل أكبر، حيث ينظر المصريون بشكل متزايد إلى حكومتهم كجزء من المشكلة، مضيفاً أنه “في المستقبل، سيكون على القيادة المصرية أن تتعامل بحذر مع الوضع للحفاظ على استمرار الدعم الغربي أيضًا”.