رأي

عاشت غزة سليمة معافاة

كتب د. خالد أحمد الصالح, في الراي:

عانت غزة منذ سنتين، وطأة حربٍ قاسيةٍ لا ترحم من العدو الصهيوني وقد خلّفت تلك الحرب دماراً مادياً هائلاً وأثراً نفسياً عميقاً، خصوصاً على الأطفال الذين يُشكّلون الشريحة الأكبر من المجتمع الغزّاوي.

لم تعد المعاناة مقصورة على الفقدان والخسائر الجسدية، بل امتدت لتصيب النفس بالصدمة والخوف المزمن واضطرابات ما بعد الصدمة، وفي ظل هذا الواقع، يبرز سؤال محوري: ما هو الدور المنشود من الأمة العربية في معالجة هذه الآثار النفسية والإنسانية لأهلنا في غزة؟ لا سيما أننا جميعاً قادرون هذه المرة على مساعدة أهلنا هناك.

إنّ الجانب النفسي لا يزال بحاجة إلى حضور أقوى، فالمراكز المتخصصة في الصحة العقلية داخل غزة محدودة جداً، ويمكن للأمة العربية أن تسهم بإنشاء مراكز علاج نفسي مجهّزة، وتدريب كوادر محلية في مجال الدعم النفسي الاجتماعي، بالإضافة إلى إرسال فرق متخصصة عند الضرورة.

إنّ برامج موجهة للأطفال الذين هم الفئة الأكثر هشاشة، هي حاجة ملحة اليوم، فكثير من الأطفال شاهد القصف وفقد الأهل وعاش النزوح والخوف، وهنا تأتي أهمية مبادرات عربية لبناء «مساحات آمنة» للأطفال داخل غزة، وإطلاق برامج تعليمية وترفيهية، وجلسات علاج نفسي، وكلها أساليب ناجحة عالمياً لعلاج الصدمات لدى الصغار. كما يمكن للدول العربية استضافة بعض الأطفال في مخيمات صيفية لإعطائهم فرصة للتعافي.

إنّ الحرب أدت إلى تدمير مدارس وتشريد آلاف الطلبة؛ لذا فإن إعادة بناء المدارس وتوفير بيئة دراسية مستقرة، يُسهم مباشرة في الاستقرار النفسي كذلك، يجب دعم الأسر الغزّاوِيّة من خلال برامج اجتماعية واقتصادية تقلل من الضغط النفسي الواقع على الوالدين، فاستقرار الأسرة أساس استقرار الطفل.

أما الإعلام العربي فهو يلعب دوراً مضاعفاً عن طريق نقل معاناة الشعب الغزّاوي بصدق، وفي الوقت نفسه تجنّب عرض الصور الصادمة المتكررة التي تعيد إحياء الألم لدى الضحايا، كما يمكن للإعلام أن يسلّط الضوء على قصص الأمل ويعرّف الجمهور العربي بأهمية الدعم النفسي وليس فقط المادي.

أما المؤسسات الدينية فإنها مهمة جداً لمحاربة أي انحراف عقائدي يكون قد تسلّل إلى غزة، أو كان نتيجة للصدمة لا سيما بين الشباب، فما بعد الحرب القاسية قد يجد الشاب قلقاً وتساؤلات دينية قد تنتهي به إلى ما لا تحمد عقباه، لذا على علمائنا المسلمين أصحاب العقيدة السليمة والحجة القوية أن يبادروا بالدخول إلى غزة لمساعدة علمائهم والاختلاط بشباب أهلنا للإجابة عن تساؤلاتهم بما يمنع عنهم الفتن التي تحدث عادة بعد الهزات الكبيرة.

أما المؤسسات الثقافية والفنية، فيمكنها تنظيم مهرجانات ومعارض فنية لأطفال غزة داخل الدول العربية، ليعبّروا عن مشاعرهم ويجدوا من يصغي إليهم ويعكسوا لهم روح المحبة والمودة.

وأخيراً لا بد من الاهتمام بالشراكات بين الحكومات العربية وبين المجتمع المدني، فالدور الرسمي وحده لا يكفي، فالجمعيات الخيرية والمهنية والجامعات ومراكز البحوث جميعها قادرة على إعداد برامج ودراسات وحلول حول الصدمات الجماعية؛ كما أنها بتبادل الخبرات مع بقية دول العالم يمكنها أن تنجح في التحدي الأكبر القادم لجعل غزة أرضا للسلام وأرضا للنفوس المطمئنة الخالية من الأمراض النفسية التي تسببها الحروب.

إنها مسؤولية كبيرة جداً ولن نساعد أهلنا هناك إذا اكتفينا بالمساعدات المادية وركزنا فقط على إعادة إعمار المباني، فالنفوس هناك أحق أن ترُاعى لتعود غزة بأهلها وأرضها جزءاً من دولة فلسطينية عربية مسلمة قوية بعلمها وعطائها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى