طوفان الأقصى لعنة الثمانين..
كتب إسماعيل الشريف في صحيفة الدستور.
زمن الانكسار قد بدأ ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم، وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيدًا ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر – أبو عبيدة
لم تعمر دولة لأي من اليهود أكثر من ثمانين عامًا، باستثناء مملكتي النبي داوود وحشمونائيم اللتين قسّمتا بعد ثمانين عاما من تأسيسهما، ولعنة الثمانين أصابت الولايات في حربها الأهلية، وظهور النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا وتفكك الاتحاد السوفييتي.
وقد فسرها الشهيد أحمد ياسين حين قال إن ثمانين عاما هي فترة جيلين، أي تتبدل فيها الشعوب مرتين، لذلك امتد تيه اليهود أربعين سنة، كان ذلك ضمن إجابته عن سؤال متى ستنتهي دولة الصهاينة. وفسرها آخرون بالإعجاز الرقمي في القرآن الكريم.
أما بالنسبة للصهاينة فإن لعنة الثمانين التي يخشونها هي فترة حكم الصليبيين للقدس في القرن الحادي عشر وقد استمر زهاء ثمانية وثمانين سنة، ولأنهم يرون تشابهًا كبيرًا بينهم وبين الصليبيين، لذلك فهم يدرسون تلك الفترة دراسة تفصيلية خاصة ما قبل وبعد حطين، فيدرسون عناصرها وجذورها لكيلا يقعوا في أخطاء الصليبيين ويستمروا في احتلال فلسطين.
لذلك تجد لديهم مئات الكتب والدراسات ومراكز الأبحاث والدراسات المنتشرة في جامعات العالم التي توغل في تلك الفترة، وأكثر ما يعنيهم معنى الجهاد ولماذا استيقظ المشرق الإسلامي بعد سنوات من التعايش والقبول، ويحللون أسباب انتصار المسلمين في عين جالوت بعد سنتين من سقوط الخلافة العباسية.
يقوم الصهاينة بدراسة كل شيء، التاريخ والجغرافيا والاجتماع والثقافة والعادات والتقاليد، ثم يدخلون في تفاصيل الشعر وقصص الحب وقصص التراث والنكات والأغاني وكتب فقه الجهاد وحتى أسماء المواليد، فالصهيونية تتشابه مع الصليبيات في أمور كثيرة منها أنها مشكلة أوروبية داخلية وجدت حلها خارج أوروبا، وأنها كانت حركة استيطانية بغطاء ديني، فقد تسللوا كحجاج ثم اغتصبوا البلاد وقتلوا أهلها، ومنها الحاجة إلى دعم خارجي مستمر، وأنهما ادعيا أنهما شعب الله المختار، وأسسا منظمات إرهابية قبيل الاحتلال، ومنحا رعاياهما الحق الإلهي في فلسطين واستخدما الدعاية المكثفة لحضهم على الهجرة، وزيفا الحقائق وسرقا الثقافة والتاريخ وهاجما الإسلام وأساءا للرسول الكريم، وكانت لديهما خطط توسعية.
للمفارقة فقد هزما سبعة جيوش عربية تصدت لهما، وبعد سنوات وقعا معاهدات سلام مع الدول المحيطة بهما، وسياستهما متشابهة في التطبيع مع كل دولة على حدةبينما فشل التطبيع مع الشعوب، وحصرا العرب في كانتونات أو معسكرات اعتقال، وكانت هنالك طبقية ما بين الصليبيين كما الصهاينة في داخل المجتمع، وبنى الصليبيون القلاع كما يبني الصهاينة المستوطنات.
يدرسون بعمق لماذا لم يُذكر الجهاد في القرن الحادي عشر في بداية الحملات الصليبية ولم تكن للقدس ومسجدها قدسية لدى المسلمين واختفى مفهوم الشهادة في الجهاد، وكيف نسيت الأمة إحدى أهم المعارك في تاريخها «ملاذكرد» في العام 1071 حيث أُسر امبراطور بيزنطة لأول وآخر مرة، وفشل المتنبي وسيف الدولة في استنهاض الأمة،ثم كيف تحول التعايش إلى حروب، وكيف نهضت الأمة من سبات عميق.
بدأت النهضة العربية الإسلامية كبكائيات وأشعار وما لبثت أن أنتجت الحاضنات التربوية أبطالا وأمجادا وحروبا عديدة مهدت الطريق لنور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي.
يعلم الصهاينة كما علم الصليبيون من قبلهم أن قوة الأمة في وحدتها لذلك كانت استراتيجيتهم ضرب العالم الإسلامي في وسطه وبث الفرقة فيه، ويعرفون بأن علامة التحرير الفارقة هي اتحاد مصر والشام، مع الامتداد العراقي، ولذلك ارتعد الكيان الغاصب من وحدة سوريا ومصر عام 1958.
كانت دمشق هي عاصمة التحرير ووجدت شعبًا مستنهضًا وقيادة واعية وقوة موحدة وعمقًا استراتيجيًا وموارد، فلا تستغرب إذن من أن جميع العواصم العربية الكبرى تئن هذه الأيام!
مع فشل الحملات الصليبية غضب الأوروبيون على اليهود بسبب نسب الربا المرتفعة التي تقاضوها في تمويلهم للحملات وكان ذلك بداية العزل الأول لليهود في أوروبا.
سيذكر التاريخ بأن طوفان الأقصى كان نقطة فاصلة في حربنا مع الصهاينة، وسينصفهم التاريخ كما أنصف صلاح الدين عندما استعاد القدس فأعطى ممرًا آمنًا لخروج المحتلين الذين سفكوا دماء أهلها قبل ثمانية وثمانين عامًا حتى وصلت الدماء حقاً إلى الركب.
يذكرنا الكاتب والشاعر العظيم من أوروغواي إدواردو غاليانو: «إن التاريخ لا يقول وداعاً أبداً. التاريخ يقول «أراك لاحقًا».
لقد حلت لعنة الثمانين!