رأي

طوفان الأقصى بين المطرقة والسـنديــان

كتب إسماعيل الشريف في صحيفة الدستور:

لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرًى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون – 14 الحشر

يسعدني رؤية رئيس وزراء الكيان النتنياهو كالشبح وقد شاخ عشرات السنين، فهو من ينطبق عليه حرفيا أنه يقع بين المطرقة والسنديان، بين مطرقة حماس والولايات المتحدة وحلفائها وأقارب المحتجزين من جهة، وبين حكومته المتطرفة التي أصبح أسيرًا لها لا يملك لها إلا الطاعة والخضوع لأنهم لو تخلوا عنه فسيسقط وسيكون مكانه في السجن ومزبلة التاريخ.

فهو بين المطرقة والسنديان في قضية أموال السلطة الفلسطينية المحجوزة لدى الكيان المحتل، فوزير ماليته سموتريتش يرفض الإفراج عن أموال السلطة الفلسطينية المحجوزة منذ السابع من أكتوبر بحجة أن هذه الأموال ستذهب إلى غزة حتى لو قامت السلطة بتقديم كشف بأسماء جميع الأشخاص الذين ستوزع عليهم هذه الأموال، وقام الكونغرس الأمريكي بالتوقيع على عريضة تحث الرئيس الأمريكي على الضغط على النتنياهو لصرف مستحقات السلطة، بعد أن فشل بايدن في التأثير على النتنياهو في مكالمة هاتفية وصفها مستشارو بايدن بأنها محبطة، وأنهى بايدن المكالمة بجملة: انتهت هذه المكالمة.

وهو بين المطرقة والسنديان، فبايدن يريد هذه الأموال لإنعاش السلطة الفلسطينية، بعد أن فقدت مصداقيتها ولا تتمتع بأية شعبية، حتى تحكم غزة بعد الحرب، وهذا ما يرفضه التيار المتشدد الذي يخضع له النتنياهو، فقد فرض عليه أن لا يخضع قرار ترتيبات غزة لمجلس الحرب بل لمجلس الوزراء.

وفي تحد سافر لبايدن غرد سموتريتش: لن نترك مصيرنا للأجانب، طالما أنني وزير مالية لن يذهب شيكل واحد إلى «النازيين».

ونتيجة للضغط الأمريكي أبقى النتنياهو الباب مفتوحًا عندما ألمح مستشار الأمن القومي الصهيوني تساحي هنجبي أن الصهاينة قد يتخلون عن اعتراضهم.

وهو بين المطرقة والسنديان لأنه يواجه ضغوطًا متزايدة من أقارب المحتجزين، ورفض حماس لغاية الآن الإفراج عن أي منهم إلا بوقف شامل لإطلاق النار وانسحاب كامل من غزة وتبييض السجون، بعد أن وافق على مبادرة القاهرة ورفضتها حماس التي تعمل قياداتها على إخراج مبادرة جديدة من قطر.

وهو بين المطرقة والسنديان، بين مجلس حربه المنقسم وبين وزرائه وبين تباين وجهات النظر العسكرية والسياسية.

لذلك فالنتنياهو يريد إطالة أمد الحرب حماية له وتأجيلًا للقضايا التي لم تحل لغاية الآن، مع أن أغلبية الصهاينة يريدون رحيله، فهو الملام الأول عن أحداث السابع من أكتوبر، ويصرح رئيس المعارضة مائير: تغيير رئيس الوزراء في خضم الحرب سيئ ولكن وجوده في المنصب أسوأ.

وهو بين المطرقة والسنديان، فالولايات المتحدة بدأت تضغط لإيقاف الحرب، وقد فقد تأييد جميع حلفائه الغربيين الآخرين، إلا أن وزراءه يريدون تهجير أهل غزة وحسم الحرب وهو أمر لم ينجح.

وهو بين المطرقة والسنديان، فالاقتصاد ينهار ولم يحقق أيًا من أهدافه المعلنة.

يعتقد كثير من المحللين – وأنا منهم – أن الولايات المتحدة تملك القرار الحاسم لوقف إطلاق النار، فبعد عشرة أيام من العدوان على غزة في عام 2021 وبعد اتصال هاتفي من بايدن للنتنياهو أوقفت الحرب في اليوم التالي، وبعد مكالمة بايدن للنتنياهو تم إعادة الاتصالات التي قطعها الاحتلال عن غزة في بداية هذه الحرب.

الوضع اليوم مختلف، يقول دينيس روس مفاوض السلام الأمريكي السابق إن التهديد بحجب المساعدات الأمريكية سيأتي بنتائج عكسية. ونقل روس عن مسؤول صهيوني قوله: «إذا قالت الولايات المتحدة عليك التوقف وإلا سنقطع عنك المساعدات فسوف نقاتل بأظافرنا، ليس لدينا خيار آخر»، ويضيف روس: «إن وقوف رئيس وزراء إسرائيلي أمام الرئيس الأمريكي يحقق له مكاسب سياسية». 

يعزى نجاح النتنياهو عام 2006 عندما وقف ندًا للرئيس أوباما الذي انتقد علانية التوسع في الاستيطان، ويخشى بايدن أن يواجه نفس المصير.

صحيح أن بايدن صهيوني حتى النخاع ولكن يحذره مستشاروه أن النتنياهو سيأخذه معه إلى الجحيم وعليه الابتعاد عنه، فمصالح الولايات المتحدة و»قيمها» والتأييد الشعبي واستطلاعات الرأي كلها عوامل تقف ضد استمرار دعمه، وعلى الجانب الآخر هناك مستشارون للنتنياهو يحذرونه من أن بايدن قد ورطه في حرب ستكون نتائجها كارثية على الكيان المحتل.

وبغض النظر من ورط من، فالحقيقة أن بايدن قد بدأ بالانفكاك تدريجيًا عن النتنياهو، فقد أمر بمغادرة حاملة الطائرات الأمريكية من الشرق الأوسط، وانتقد في أكثر من مناسبة حكومة النتنياهو وسياساتها في هذه الحرب، إضافة لمغازلته رئيس المعارضة مائير. 

أعتقد بأن النتنياهو لا يستطيع الاستمرار في لعبة شد الحبل هذه، وفيما يبدو أن العجوز الماكر ينتظر سقوطه وقد يكون قريبًا جدًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى