طموحات تركيا في سوريا

كتبت د. نورة صالح المجيم في صحيفة القبس.
قد بات يتداول على نطاق واسع أن تركيا اللاعب الأهم في سوريا بعد سقوط الأسد، ترامب شخصيا قد صرح بأن مفاتيح اللعبة في سوريا الآن في يد تركيا. سوريا دائما قد مثلت أهمية استراتيجية كبيرة لتركيا بسبب تحدي الأكراد، والمصالح الاقتصادية، والصراع على نهر الفرات.
وبعد اندلاع الثورة السورية في 2011؛ تطور الدور التركي في تركيا مدفوعاً بمصالح وتهديدات استراتيجية جديدة. إذ بات فرض الهيمنة التركية في سوريا حتميا لكبح طموح أكراد سوريا في تكوين دولة أو حكم ذاتي مستقل، وأيضا في ضوء طموحات تركيا في الهيمنة على حصة أكبر من غاز المتوسط؛ أمست سوريا بوابة النفوذ الخلفي لتركيا للضغط على دول المتوسط. فضلا عن عدة مصالح وتحديات أخرى من بينها موازنة النفوذ الإيراني والروسي، دعم الحركات السنية خاصة المسلحة، استخدام ورقة المهاجرين للضغط على أوروبا، تعزيز مكانة تركيا لدى الولايات المتحدة.
الوضع الجديد في سوريا ممهد لتركيا لتعظيم طموحاتها إلى نطاق أرحب، والقوة الدافعة لذلك تستند على: ولاء القيادة الجديدة بقيادة أحمد الشرع لتركيا، إذ ان هيئة تحرير الشام-وهذه حقيقة معلنة- تشكلت وتدربت على يد تركيا، ومنحتها الأخيرة الضوء الأخضر بتنسيق مع قوى أخرى لإسقاط بشار. وأيضا، الإجهاز شبه التام على النفوذ الإيراني، ونسبيا الدور الروسي في سوريا، وأخيراً، سياسة التهميش المرتقبة لترامب في سوريا. بعبارات أخرى، لا قوى أخرى منافسة لتركيا في سوريا، عدا إسرائيل وهو دور محدود بمصالح محددة في جنوب سوريا.
يمنح الوضع الجديد في سوريا لتركيا نفوذا ربما تام على شمال سوريا المحاذي للحدود التركية، خاصة حلب. وبخصوص الأخيرة تعتبرها تركيا ولاية تركية تم اقتطاعها من الخلاقة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، والمطالبة التركية بالحق التاريخي في حلب لا تتوقف، لكنها تتزايد مع أية تطورات كبيرة في سوريا.
لعل تركيا تدرك علم الإدراك أن ضم حلب رسميا إلى تركيا حلم بعيد المنال على الأقل خلال العقدين القادمين. لكن هذا لا يمنع من فرض نفوذ قوي عبر وكلائها المحليين، مدعوم بوجود عسكري محدود بذريعة محاربة إرهاب داعش والأكراد. وهنا تجدر الإشارة الى أن فرض النفوذ والهيمنة التامة ليس بالضرورة تحقيقه عبر الاحتلال العسكري على الأرض كما كان في السابق، بل ممكن عبر وسائل شتى من بينها، الهيمنة الاقتصادية التامة، أو عبر معاهدات تحالف عسكرية….إلخ، والأمثلة على ذلك لا حصر لها عند الإحاطة بحجم النفوذ الأمريكي في العالم، والروسي في شرق أوروبا.
والهيمنة التركية على شمال سوريا ستدعم مجموعة من الطموحات الاستراتيجية الحيوية لتركيا، في مقدمتها إحباط مسألة الحلم الكردي في تكوين دولة مستقلة، والذي قد تعزز في ضوء تجربة الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق، والدعم الأمريكي لحركة «قسد» السورية الانفصالية. الملف الكردي هاجس أمني قومي شديد الحساسية لتركيا، وورقة تستخدم ضدها خاصة من الاتحاد الأوروبي لعرقلة حلم الانضمام للاتحاد، فتركيا تضم أكبر عدد من الأكراد في العالم، حيث يمثلون قرابة %20 من سكان تركيا، ولديهم حلم انفصالي صريح بقيادة حزب العمال الكردستاني.
الشمال التركي غني بالنفط والغاز، حيث حجم الاحتياطيات غير المستغلة يفوق حجم الإنتاج الحالي. وبالتالي، ستساهم سوريا في حل معضلة الطاقة العويصة لتركيا، وتمنحها قوة ضغط كبيرة في إطار إعادة تقسيم غاز المتوسط. علاوة على ذلك، تطمح تركيا في أن تكون لها اليد الطولي في إعادة إعمار سوريا، وتمديد نفوذها الاقتصادي، وترحيل اللاجئين السوريين إلى سوريا وهم يقدرون بنحو مليون لاجئ.
خلاصة القول، طريق تركيا لتمديد نفوذها شبه التام في سوريا مفروش بالورود، لاسيما بعد إقصاء إيران صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا. هل ستجد تركيا عقبات مفاجئة لتحقيق طموحاتها الواسعة في سوريا؟ نعتقد أن العقبة الرئيسية ستكون الولايات المتحدة إذا لم تتماد إدارة ترامب في سياسة تهميش سوريا.