رأي

طريق الخلاص (12) تجربة ماسح أحذية

كتبت نعمة جعجع في “اللواء”:

تتمحور الحلول كلها لمواجهة التأزّم المتصاعد في الأوضاع النقدية والاقتصادية في لبنان حول قَرضٍ موعود من صندوق النقد الدولي (IMF) بحدود 3 مليارات دولار أميركي في أحسن الأحوال، يُعوَّل عليه لانتشال البلاد والعباد من الجحيم الذي يتخبطون فيه. لكن، كيف لهذا القرض أن يُحدث فرقًا في حين أنفقت الحكومة السابقة 18 مليار دولار ببضعة أشهر ودفعت البلاد إلى الهاوية بلا رحمة، وأصبحنا نلهث وراء مليارات مُثقَلة بالشروط التي لا يعلم نتيجتَها أحد.
في ثمانينات القرن الماضي، حلّت بالبرازيل أزمة اقتصادية خانقة اضطرتها الاقتراض من صندوق النقد الدولي بشروط مُجحِفة فُرضت بقوانين أدّت إلى تسريح ملايين العمال وألغت الدعم، فانهار الاقتصاد البرازيلي بصورة كارثية، وأصبح الملايين دون خط الفقر وعمّ الفساد وتضاعفت الديون رغم استجابتها لجميع شروط الصندوق الذي هدّد بإعلان إفلاس البرازيل. 
بحلول العام 2003 انتخب البرازيليون رئيسًا لهم هو لولا دا سيلفا (Luiz Inacio Lula Da Silva) الذي عمل سابقًا ماسح أحذية وعانى من الجوع وظلم الاعتقال. تسلّم دا سيلفيا الحُكم تحت شعار «التقشف ليس إفقار الجميع بل استغناء الدولة عن الكثير من الرفاهيات لدعم الفقراء»، فمنح الإعانات الاجتماعية المباشرة بنسبة 0.5% من الناتج القومي الإجمالي للدولة على شكل مساعدة مالية نقدية للأسر الفقيرة ورفع الضرائب على رجال الأعمال والميسورين الذين ارتضوا ذلك بسرور لأنه منحهم تسهيلات (Facilities) في الاستثمار وتسيير الأعمال والحصول على التراخيص والقروض بفوائد تشجيعية ساعدتهم فى فتح أسواق جديدة. 
ارتفع دخل الفقراء في عهد دا سيلفا، وصار بإمكانهم شراء منتجات الصناعات الوطنية التي تضاعفت مبيعاتها واكتشف المستثمرون ورجال الأعمال والصناعيون أنهم يدفعون الضرائب مقابل تسهيلات أكسبتهم أكثر من قيمتها بكثير. وبعد أكثر من سنتين عاد مليوني مهاجر برازيلي ومعهم مليون ونصف أجنبي للاستثمار في البرازيل، وبعد 4 سنوات سدّد لولا دا سيلفا  كل مديونية صندوق النقد، ولما طَلب منه الشعب تعديل الدستور لانتخابه لولاية جديدة، أجابهم أن البرازيل ستنجب مليون «لولا» لكنها تملك دستورًا واحدًا. والمدهش أن صندوق النقد الدولي اقترض من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية فى 2008، أي بعد 5 سنوات فقط من حكم لولا دا سيلفا الذي أثبت أن النهوض من المأساة ليس مستحيلًا بل هو إرادة صلبة وإدارة حكيمة، ولا يستغرق وقتًا.
حبذا لو اتخذنا من تجربة ماسح الأحذية العظيم عِبرة للخروج من الجحيم الذي وصلنا اليه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى