رأي

«طابور الصباح».. في مدارس الكويت قديماً.

كتب د. سعود محمد العصفور في صحيفة القبس.

«تحيا الكويت»، «عاش الأمير»، «تحيا الأمة العربية». عبارات تردد ولها دلالاتها في الطابور الصباحي المدرسي، فتقديم الكويت على كل نداء له مغزاه الأكيد أنها هي الباقية والجميع إلى زوال، فهي الموطن الذي يعيش عليه الجميع في تعاقب الأجيال جيلاً بعد جيل، وعلى أرضها ينعم أهلها بالرفاه والأمن والاستقرار، ولا تفريق لمكوناتها البشرية فالمواطنة الحقة تقتضي المساواة في الحقوق والواجبات، ومحبة الكويت لازمة لكل فرد، والدفاع عنها مسؤولية ملقاة على كاهل الجميع صغيرهم وكبيرهم، فهي تجمعهم على أرضها، أرض الخير والنماء. والنداء للكويت فيه الوطنية الحقة التي يطمح إليها الجميع.

وفي عبارة «عاش الأمير» دلالات على الاحترام والتقدير والتبجيل لأنه الرمز الذي يطاع، فهو ولي الأمر، في وجوده راحة للجميع، والقائد الذي يمثل الجميع في الداخل والخارج، وعلى الجميع محبته وتقديره وطاعته، فهو سندهم بعد خالقهم، يذود عنهم ويرعى مصالحهم، ويرجو الخير الدائم لهم، لذا كان النداء هو دعوة صادقة بأن يطيل الله في عمره، ويديم عليه الصحة والعافية.

وفي النداء الأخير «عاشت الأمة العربية» له دلالاته الجميلة على أن الكويت جزء لا يتجزأ من الأمة العربية التي يفخر الجميع بالانتماء إليها وحدة، وصلة، وتعاوناً، وتآزراً في الرخاء والمحن، فالكويتي له إخوة أشقاء يحبهم ويحبونه، ويبذل الغالي في التودد إليهم، يجمعهم الدين الإسلامي عقيدة وعبادة ومعاملة، والعربية بصفتها لغة وجنساً ووجوداً ووحدة.

في طابور الصباح تحرص الإدارة المدرسية آنذاك على أن يخرج بصورة مثالية، ففيه الوطنية الحقة التي نفتقد رسومها اليوم، فيحرص ناظر المدرسة على التواجد فيه باكراً على رأس الحاضرين، بل كثيراً ما يخول المدرسين باعطاء الطلاب المواعظ ويشرف بحرص على النظام والتعليم ومكارم الأخلاق.

يبدأ الطابور بجرس يدق ينبه إليه، ثم يصطف التلاميذ في ساحة المدرسة، وقد حددت أماكن وقوف كل صف مدرسي على أرضية الساحة، والاصطفاف يكون منتظماً، وزيادة فيه يذيع مدرس التربية البدنية أن على الجميع رص الصفوف ويتخلل ذلك ترديده عبارات: «يسار، رح»، «يمين، در»، «اعتدال» وهي أشبه بالحركات التي تؤدى في العسكرية لانتظام الصفوف.

يطلب مدرس التربية البدنية من المدرسين ومشرفي الفصول الكشف عن مدى التزام الطلاب بالزي المدرسي، وقص الشعر، وتقليم الأظافر، والنظافة العامة، ومن يجدوه قد قصر في شيء من ذلك يتم إخراجه من الطابور لينبه، ثم يعاقب، أو يستدعى ولي أمره لاتخاذ اللازم.

وخير من يبدأ به في طابور الصباح آيات من القرآن الكريم، وجرت العادة أن يتلوها أحد الطلاب الماهرين بالقراءة، بعدها يتم رفع علم الكويت، وعادة يرفعه طالب من فرقة الكشافة المدرسية التي ينضم إليها الطلبة لتعويدهم الأخلاق الكشفية.

بعدها، يُعزف السلام الأميري فيقف الجميع دون حراك ويرددون عبارته، والفرقة الموسيقية عادة هي طلاب تم تدريبهم على عزفه من طلاب درس الموسيقى، ثم يردد الطالب الذي رفع العلم عبارات: «تحيا الكويت»، «عاش الأمير»، «تحيا الأمة العربية»، وجميع من حضر الطابور يردد وراءه بعد كل عبارة يقولها بحماس.

يتخلل طابور الصباح كلمات في النصائح والحكم، والقصائد الشعرية التي غالباً تكون هي قصائد مقررة على المراحل الدراسية، ومعزوفات موسيقى لفرقة الموسيقى المدرسية، وأحياناً يُعلن فيه عن مسابقات ثقافية تخصص فيها جوائز لمن يصل إلى حلها لاحقاً، كما تتخلله التنبيهات والتعليمات التي قد تصدر من الإدارة المدرسية التي تلزم الجميع القيام بها.

وفي ختام الطابور، يعلن مدرس الرياضية انتهاء مراسيم، ثم تعزف فرقة المدرسة الموسيقية عزف الانصراف بلحن عسكري، لينصرف بعدها الطلاب إلى صفوفهم في ترتيب ونظام.

يبقى طابور الصباح المدرسي جزءاً لا يتجزأ من اليوم الدراسي في مدارس الكويت فهو فاتحة اليوم يجب الحفاظ عليه وتنميته بالبرامج المفيدة، لأنه يبث الوطنية في نفوس التلاميذ، ويعودهم النظام والتزام مكارم الأخلاق، فضلاً عن تثقيفهم وتنمية مهاراتهم الذهنية والبدنية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى