رأي

صندوق الأجيال القادمة

كتبت نعمة جعجع في “اللواء”:

ارتفعت وتيرة الكلام عن «الصندوق السيادي» كمشروع لحلّ الأزمات الخانقة وفي مقدمها أموال المودعين في المصارف، حيث يقوم هذا الصندوق بإدارة واستثمار الأصول العقاريّة العائدة للدولة ومؤسساتها العامّة ذات الطابع الصناعي والتجاري ومن بينها المرافئ والمطار وشركتي الخليوي، مؤسسة أوجيرو، مؤسسة كهرباء لبنان، طيران الشرق الأوسط، كازينو لبنان وغيرها. على أن تخصّص عائدات الاستثمار لمداواة الخسائر المصرفيّة وإعادة الودائع، وتجنيب رساميل أصحاب المصارف تحمّل تلك الخسائر.

إن أكثر المتحمّسين لهذا المشروع هي جمعية المصارف التي ترى في تلك العائدات خلاصًا من اللجوء إلى شطب الرساميل المصرفيّة بالكامل وإعادة رسملة القطاع للتعامل مع الخسائر. وبدا واضحًا أن تسمية الصندوق السيادي تدغدغ مشاعر اللبنانيين التوّاقين إلى السيادة، وتشابه الكثير من الصناديق السياديّة في العالم. لكن حقيقة تخصيص الأصول العائدة للدولة إلى هذا الصندوق تعني تخصيص ما تبقّى من ثروات الدولة لعشرات السنين لإطفاء الخسائر المصرفيّة وإنقاذ رساميل أصحابها، فيما تبقى حقوق المودعين تنتظر عقودًا من الزمن.
ثمة إشكالية تُطرح في هذا المجال وهي أنّ أي صندوق سيادي في العالم يُخصَّص لإدارة الفائض في المداخيل واستثمارها لصالح الأجيال القادمة، خلافًا لما تطرحه جمعية المصارف لجهة تخصيص ما تبقّى من مداخيل محتملة للدولة لإطفاء خسائر متراكمة نتَجت عن خيارات خاطئة لا بل متهوّرة أقدمت عليها المصارف دون التبصّر بانعكاساتها على أموال مودعيها الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وثقوا بتلك المصارف وسلّموها جنى العمر، وهذا ما يرفضه صندوق النقد الدولي لكونه يؤدي إلى حرمان الأجيال الحاضرة والمستقبليّة من المداخيل والثروات العامّة، في سبيل إطفاء خسائر الماضي.
وخير مثال على ما نقول هو «صندوق الأجيال القادمة» الكويتي، الذي يُعتبر أقدم صندوق ثروة سياديّة في العالم، ويتصدّر المرتبة الثالثة بعد النروج والصين من حيث حجم الصناديق في العالم وفقًا لأحدث التقييمات، وكما يدلّ اسمه فهو وسيلة إدّخار فائض العائدات النفطية بهدف تأمين رفاهية الأجيال القادمة من الكويتيين الذين قد لا يتمكّنوا من الاعتماد على النفط كوسيلة دخل كافية لضمان حياة هانئة وكريمة لهم، وبقاء الكويت واحدة من أكثر الدول ازدهارًا في العالم.
نريد صندوقًا للأجيال القادمة على غرار صندوق الأجيال الكويتي، لا صندوقًا سياديًا بالإسم وتدميريًا بالفعل مهمّته الأساسية إنقاذ رساميل المصارف.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى