رأي

صقور «الناتو» وروسيا

لأن كل الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي، على مدى عامين ونصف، إلى كييف لم تحقق هدف هزيمة روسيا، أو تمكين القوات الأوكرانية من استعادة ما خسرته من أراضٍ، وفرض معادلة جديدة في ساحة المعركة لا تمكن القوات الروسية من توسيع مساحة سيطرتها على المزيد من الأراضي الأوكرانية، فقد بدأ حلف الأطلسي وبعض الدول الأعضاء فيه يتخذون مواقف تصعيدية بالدعوة إلى تسليم أوكرانيا أسلحة بعيدة المدى تستطيع ضرب عمق الأراضي الروسية.

هذه المواقف تدل على موقف ضعف وليس على موقف قوة، وهي تضع أوروبا كلها أمام تهديد توسيع ساحة المعركة بما يهدد أمن دولها، وقد يؤدي إلى ما هو أخطر، لأن روسيا سوف تعتبر ذلك تدخلاً مباشراً من الحلف في المعركة وتهديداً لأمنها، الأمر الذي حمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى توجيه التحذير من مغبة هذا التطور: حيث قال: «إن ممثلي دول الناتو، وخاصة في أوروبا، وتحديداً في البلدان الأوروبية الصغيرة، يجب أن يفهموا بماذا يلعبون.. وعليهم أن يضعوا هذا الأمر في الاعتبار قبل شن ضربات في عمق الأراضي الروسية».

وكان أمين عام حلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ دعا إلى رفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية لشن هجمات على الأراضي الروسية، وقال «لا يمكن استخدام الأسلحة الدقيقة بعيدة المدى من دون بيانات استخباراتية فضائية».

العديد من الدول الأوروبية انضمت إلى ستولتنبرغ في الدعوة باستخدام الأسلحة التي تقدمها إلى أوكرانيا بضرب العمق الروسي؛ مثل دول البلطيق، وفنلندا، والنرويج، وبريطانيا، وبولندا، وكندا، وتشيكيا، والدنمارك، والسويد، وهولندا، وفرنسا، وقد انضمت ألمانيا التي كانت تعارض استخدام الأسلحة لضرب العمق الروسي إلى هذه الدول. كذلك ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية، أن الرئيس جو بايدن وافق سراً على استخدام الأسلحة الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية للدفاع عن خاركيف.

في مقابل «صقور الأطلسي» الذين يدعون إلى ضرب العمق الروسي، فإن هناك «دول الحمائم» التي تحذر من مغبة اللجوء إلى هذا الخيار، مثل إيطاليا التي رفضت رئيسة حكومتها جورجيا ميلوني دعوة ستولتنبرغ بقولها: «لا أعرف لماذا قدم شيئاً كهذا، أعتقد أن علينا أن نكون حذرين للغاية»، وقال وزير خارجيتها أنتونيو تاياني: «لسنا في حالة حرب مع روسيا»، وأضاف: «إنها لحظة حساسة جداً، يتعين علينا ألا نقوم بخطوات خاطئة، وأن نتجنب الخطوات والتصريحات المتسرعة». وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو وصف هذه الدعوة ب«الفكرة المجنونة».

إذا ما تم تنفيذ دعوة ضرب العمق الروسي بأسلحة أطلسية، فسوف تكون لذلك تداعيات خطيرة على أمن أوروبا، وهو ما حذر منه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف؛ لأن الصراع العسكري الحالي سوف يأخذ السيناريو الأسوأ، فتغيير «قواعد اللعبة» سوف يدفع روسيا إلى تغيير وسائل الرد ومداه، كما سيضطر روسيا إلى تغيير أهداف الحرب.

وإذا كانت أوروبا عرضة «لخطر مميت»، كما أشار إلى ذلك المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقالة مشتركة نشرتها صحيفة «فايننشال تايمز»، الأسبوع الماضي، فإن الإقدام على خطوة ضرب العمق الروسي بأسلحة أطلسية سوف يعجّل من هذا الخطر، ما لم تتراجع الرؤوس الحامية في حلف الأطلسي والدول الأوروبية عن مواقفها. فالدول الغربية تعاني مشاكل في إدراك الواقع، وعليها أن تبحث عن الطريقة التي يمكن أن تتخطى فيها الهزيمة، لكن ليس بهذه الطريقة.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى