أبرزرأي

صفقة ترامب وبوتين المحتملة

كتب مفتاح شعيب, في “الخليج”:

مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عاد منطق الصفقات والتفاهمات الغامضة ليسود العالم أجمع، وباتت كل القضايا والأزمات خاضعة لهذا المنطق الذي سيسود في السنوات المقبلة، وسيثير كثيراً من الاضطرابات ويخلط أوراق المسارات السابقة، ويقلب سياسات قائمة رأساً على عقب، وينتج وضعاً جديداً ربما لا يكون فيه مكان للمعاهدات والمواثيق والأعراف الجارية.

على امتداد الحملة الانتخابية الأمريكية المثيرة، أطلق ترامب تعهدات مكررة بإنهاء الحروب والصراعات في العالم، وبدأ يسوّق نفسه كرجل سلام قادر على تغيير مجريات الأحداث، وربما ستكون البداية من أوكرانيا، بعدما أعلن ترامب نفسه أنه يتطلع إلى لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سريعاً لإنهاء الأزمة في أوكرانيا، وجاء موقفه بعد أسابيع من تسريب كبريات الصحف الأمريكية ملامح للصفقة المتوقعة بين الرجلين، وتلمح إلى احتمال الاعتراف لروسيا بالمناطق الأوكرانية التي ضمّتها، ورفع بعض العقوبات على موسكو، مقابل منح كييف ضمانات أمنية، ونشر قوات سلام أوروبية على خطوط التماس، ووعد بعيد المدى بعضوية حلف «الناتو». وقبل معرفة واقعية هذه الصفقة من عدمها، يمثل الخوض فيها تسليماً بوضع جديد يتشكل في أوروبا، التي يخشى زعماؤها من تحقيق روسيا نصراً استراتيجياً له ما بعده، ليقين كثيرين منهم أن بوتين لن يكتفي بذلك، أمام إدارة أمريكية عاجزة أو لامبالية، بل سيمتدّ طموحه إلى غرب الحدود الأوكرانية.
بالتزامن مع إعلان ترامب رغبته في لقاء بوتين، وحديث الكرملين عن تطوع دول عدة لاستضافة هذه القمة، استبدت ببعض المراقبين الغربيين المخاوف من إقدام ترامب على إبرام صفقة مع بوتين تتجاوز أوكرانيا لتشمل تقاسم النفوذ الأمني في أوروبا ومنها في العالم أجمع، ويعزون ذلك إلى شخصية الرئيس الروسي الطموحة، فإحرازه النصر في هذه المعركة مع كل الحلفاء الغربيين بقيادة الإدارة الديمقراطية الأمريكية، سيدفعه إلى التمسك، وربما المغامرة، لفرض وجهة نظره الداعية إلى إقامة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وهي فكرة دافع عنها كثيراً وتكبّد من أجلها خسائر جسيمة، وقد استند في ذلك على قوة روسيا العسكرية وترسانتها النووية الضخمة، وأيضاً على دعم الصين، القوة العظمى، التي تقاسمه الإيمان بضرورة تغيير العالم.
أقل من شهر على عودة ترامب رسمياً إلى البيت الأبيض، ستكون حافلة بالمواقف المثيرة، وستكشف خيوط بعض الخطط و«المؤامرات» التي حيكت هنا وهناك. ويبقى الثابت أن العالم سيواجه كثيراً من المفاجآت والانقلابات في المواقف، وهي نتيجة حتمية لحالة الانحلال والانقسام التي أصابت العمل الدولي الجماعي في السنوات القليلة الماضية. وهي حالة يصعب معها التكهن بأيّ شيء أو استبعاد أي صفقة. وربما ستكون القمة المنتظرة بين ترامب وبوتين، واحدة من أهم المحطات المتوقعة في الأشهر المقبلة، لأنها ستشكل لحظة فارقة، فإما بعدها انفراجة أو تأزم خطِر للأوضاع العالمية، التي تخيّم عليها نذر صراع شامل، حذر منه زعماء كثيرون، ومنهم ترامب وبوتين وشي، وذلك التحذير من أقوى دول في العالم لا يصدر من فراغ، وإنما نتاج قناعات ووقائع وسياسات، وهو ما سيتضح خلال أشهر قليلة من تسلم الإدارة الجديدة مفاتيح القيادة في الولايات المتحدة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى