صراع مبكر على الكتلة الأكبر: السوداني يخشى «سيناريو 2010»

كتب فقار فاضل, في الأخبار:
يتصدر الخلاف داخل «الإطار التنسيقي»، بين نوري المالكي ومحمد شياع السوداني، المشهد السياسي على بعد أيام من الانتخابات، وسط تراشق مستمر للاتهامات، على حساب وضع برنامج انتخابي يحاكي تطلعات الشارع.
على بعد خمسة أيام فقط من موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، تبدو الساحة السياسية الشيعية على صفيح ساخن، بعدما تحوّل الخلاف داخل «الإطار التنسيقي» من مجرد تباين في المواقف، إلى صراع مفتوح بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وزعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي. وبرز هذا الخلاف، الذي ظلّ طوال الأشهر الماضية حبيس الغرف المغلقة، إلى العلن أخيراً، في ضوء حملات إعلامية متبادلة بين مناصري الطرفين، وتصريحات نارية أطلقها متحدثون رسميون وإعلاميون مقربون من الكتلتين، في تكرار لمشهد الانقسامات الذي يسبق تشكيل الحكومات العراقية منذ عام 2003.
ويسعى السوداني، الذي يترأس الحكومة منذ تشرين الأول 2022، إلى الحصول على ولاية ثانية، مراهناً على ما يصفه بـ«المنجزات الخدمية والإصلاحية» التي تحققت خلال ولايته الأولى، فيما يتحرّك المالكي، الذي لا يزال يعتبر نفسه المرجعية السياسية الأبرز داخل الإطار، لقطع الطريق أمام الأول ومنعه من تثبيت موقعه كزعيم فعليّ داخل التحالف الشيعي. وفي هذا السياق، يؤكد مصدر سياسي مطّلع على أجواء الاجتماعات الأخيرة لـ«الإطار»، في حديث إلى «الأخبار»، أن المالكي «يرى في تجديد ولاية السوداني تهديداً مباشراً لنفوذه داخل البيت الشيعي، ويخشى أن يتحوّل رئيس الوزراء الحالي إلى قطب مستقل يستقطب الدعم المحلي والدولي، خصوصاً من واشنطن وطهران». على الضفة المقابلة، ينقل المصدر نفسه عن أحد المقربين من السوداني قوله إن الأخير «لا يسعى إلى صدام مع أحد داخل (الإطار)، لكنه يرفض أن يكون مجرد واجهة سياسية لإرادة الآخرين»، مضيفاً أن «السوداني يرى في استمرار مشروعه ضرورةً لاستكمال الإصلاحات ومحاربة الفساد».
وكان قد دفَع اقتراب موعد الانتخابات، المعركة بين الطرفين إلى الواجهة، بعدما دأب مناصرو المالكي على اتهام الحكومة بـ«استغلال موارد الدولة في الترويج الانتخابي»، ليردّ عليهم المقربون من السوداني باستذكار «الإخفاقات الحكومية» التي طبعت فترة حكم المالكي بين عامَي 2006 و2014. على أن العديد من المراقبين يرون أن المعركة الإعلامية ليست سوى انعكاس لصراع أعمق حول من يمتلك حق تمثيل «الكتلة الأكبر» داخل البرلمان المقبل، وهي الكتلة التي يخولها الدستور ترشيح رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.
وبالحديث عن التمثيل، يشير القيادي في «ائتلاف دولة القانون»، أحمد اللامي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الحديث عن ولاية ثانية للسوداني سابق لأوانه»، مضيفاً أن «تحديد مرشح (الإطار) لرئاسة الحكومة المقبلة سيكون بعد إعلان نتائج الانتخابات وليس قبلها». لكنه يعتقد أن «المرحلة المقبلة تتطلّب قيادة قوية قادرة على ضبط إيقاع القوى الشيعية وتوحيد رؤيتها، وليس حكومة تكرّس الانقسام».
ومنذ عام 2003، ظلّت مسألة «الكتلة الأكبر» محور الخلاف الأبرز بين القوى الشيعية، فيما فتح الغموض في النص الدستوري حول هذه المسألة الباب أمام تفسيرات متعددة، دأبت القوى المتنافسة على استغلالها لصالحها. ففي عام 2010، مثلاً، استغلّ المالكي تلك الثغرات ليشكل تحالفاً برلمانياً بعد الانتخابات، أتاح له تولّي رئاسة الحكومة، رغم تقدّم خصمه إياد علاوي عليه بالأصوات آنذاك، وهو السيناريو الذي يخشى السوداني تكراره الآن، لا سيما وسط انتشار أنباء عن اتصالات مكثفة يجريها المالكي مع فصائل سياسية شيعية، وأخرى سنّية وكردية، لضمان غالبية برلمانية تمكّنه من فرض مرشحه في حال لم تُمنح الولاية للسوداني مجدداً.
انزلقت الأطراف داخل «الإطار» إلى معارك نفوذ وانتقام شخصي
وممّا يزيد المشهد تعقيداً، تبني زعيم «التيار الوطني الشيعي»، مقتدى الصدر، قرار مقاطعة الانتخابات، والذي خلق فراغاً كبيراً في الخريطة الانتخابية للمكوّن الشيعي. وفي هذا الإطار، يقول الباحث السياسي المقرب من الصدريين، مجاشع التميمي، إن «التيار الصدري كان يشكّل عامل توازن في مواجهة (الإطار)، وغيابه هذه المرة سيجعل التنافس داخل البيت الشيعي أكثر حدّة»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «مناطق من مثل الصدر والبصرة وذي قار قد تشهد تراجعاً كبيراً في نسب المشاركة، مما ينعكس سلباً على شرعية العملية الانتخابية».
من جهته، يرى الباحث حسين عليوي أن «الإطار الشيعي يواجه اختباراً صعباً في غياب الخصم التقليدي، لأن الخصومة الداخلية قد تتحول إلى صراع على الزعامة بدلاً من التنافس على البرامج»، معتبراً أن «الانتخابات المقبلة لن تحدد فقط شكل الحكومة، بل طبيعة القيادة الشيعية خلال السنوات المقبلة».
بالتوزاي، يستمر التراشق بين وسائل إعلامية مقربة من المالكي، تتحدث عن فشل حكومة السوداني «في ضبط الأداء الاقتصادي»، وبين منصات مؤيدة للأخير تذكّر العراقيين بـ«الفساد والمحاصصة» اللذين وسما فترة حكم المالكي، في مؤشر على وجود «أزمة ثقة» وهشاشة في التفاهم، داخل «الإطار»؛ إذ إنّه «بدلاً من توحيد الجهود للحفاظ على وحدة الموقف الشيعي بعد انسحاب الصدر، انزلقت الأطراف إلى معارك نفوذ وانتقام شخصي»، على حدّ تعبير مصدر سياسي مطلع في بغداد.
على هذا النحو، يجد «الإطار التنسيقي» نفسه أمام امتحان صعب، يفرض عليه إمّا النجاح في تجاوز خلافاته الداخلية وتقديم مرشح موحّد يحفظ توازن المكون الشيعي، أو الانزلاق إلى انقسام جديد يعيد إنتاج حالة الشلل السياسي التي عاشها العراق بعد انتخابات 2021. على أنه في ظلّ اعتكاف «التيار الصدري»، يبدو أن صراع المالكي – السوداني لن ينتهي بانتهاء الانتخابات، بل سيكون مفتوحاً على مرحلة جديدة من إعادة التموضع داخل البيت الشيعي، وقد يغيّر حتى من ملامح العلاقة بين بغداد وطهران، في مرحلة ما بعد الاقتراع.
في المقابل، يقلّل عضو «الإطار التنسيقي»، علي الموسوي، من حدة الخلافات داخل «الإطار»، لافتاً إلى أنه رغم أنه لا يمكن إنكار هذه الخلافات، «إلا أنها لا تعني بالضرورة وجود انقسام أو تفكك». ووفقاً للموسوي، فإن ما يجري هو «نقاش طبيعي في مرحلة انتخابية حساسة، تتعدد فيها الرؤى حول آليات إدارة المرحلة المقبلة»، وإن «جميع الأطراف متفقة على الحفاظ على وحدة الموقف الشيعي وعدم السماح بتحويل التنافس السياسي إلى صراع شخصي». ويختم الموسوي حديثه إلى «الأخبار» بالقول إنه «في نهاية المطاف، ما يهمّ (الإطار) هو استمرار الاستقرار السياسي وتشكيل حكومة تعبّر عن إرادة الناخبين وتستجيب لتطلعات الشارع».




