رأي

صراع في لبنان تحت الإنفراج الإقليمي

كتب رفيق خوري لصحيفة نداء الوطن.

لا شيء يوحي أن في الأفق الإقليمي والدولي فسحة لمؤتمر من أجل لبنان. لا على طريقة مؤتمر الطائف وظروفه المحلية والعربية والدولية. ولا على طريقة إجتماع الدوحة وظروفه التي في الظروف الحالية شيء منها. ولولا حراك الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان وبحثه عن منصة للتفاهم على الإستحقاق الرئاسي بصرف النظر عن النتيجة، لما تحرك شيء في المياه اللبنانية الراكدة. والأسباب مكتوبة على الجدار الذي نقف أمامه: كثرة الأزمات والقضايا المهمة والخطيرة التي تشغل الجميع على المسرحين الإقليمي والدولي، برودة الإهتمام العربي والدولي حيال أزمات لبنان المتكررة، وشدة الصراع على السلطة في لبنان مع قلة القدرة لدى أطراف الأزمة، وحتى الرغبة لدى بعضها، على التسوية، وقلة الإهتمام بما يعانيه اللبنانيون جراء الوجوه الوطنية والسياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية للأزمة.

ذلك ان الإنفراج في المناخ الإقليمي، سواء بإنتهاء القطيعة بين تركيا ومصر بعد تحسن العلاقات بين أنقرة وطهران وعدد من العواصم العربية، او بالإتفاق السعودي – الإيراني وتحسين علاقات طهران مع دول عربية، او بالإنفتاح العربي على سوريا، او بالسعي الروسي لترتيب حوار بين أنقرة ودمشق، لم يصل الى لبنان بعد. ومن ينتظره لا يعرف متى وكيف يصل. فالطرف الوحيد المشغول بلبنان على مدار الساعة، ولأسباب عدة، هو جمهورية الملالي في ايران. وإنشغالات البقية جزئية ومتقطعة. وبكلام آخر، فإن الوطن الصغير لا يزال رهين الصراع الجيو السياسي فيه وعليه، ولو من طرف واحد، كأن الإنفراج الإقليمي غير موجود.

والعامل الجديد ليس إصرار»الثنائي الشيعي» على الإمساك بكل المؤسسات ومفاصل السلطة الأساسية بل قيام «ممانعة مضادة» لما اعتاد «محور الممانعة» أخذه بالقوة والإبتزاز. وتلك هي المشكلة بالنسبة الى «حزب الله» و»حركة أمل»، والمسأله بالنسبة الى قوى المعارضة. فلا مجال بعد اليوم لفرض خيار ترفضه القوى المسيحية والدرزية الأساسية ومعها قوى سنية. واذا كان «الثنائي الشيعي» يرفض التراجع عن خياره المستحيل بداعي أن ذلك خطر وممنوع لأنه نوع من «كسره»، فكيف يجوز بالمقابل «كسر» القوى المعارضة، ولماذا يضع الثنائي نفسه في موقع لا بد من التراجع عنه؟

لا خطورة في السياسة لأي تراجع عن موقف غير قابل للتحقيق. الأمر الخطير هو استمرار السباق نحو إكتمال الإنهيار من دون ان يكون لدى أي طرف قدرة على الإمساك بالوضع بعد إنهيار كل شيء، او حتى على توظيف الإنهيار في الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها. ولا حاجة لتكرار الخطاب يومياً عن إلتزام إتفاق الطائف الذي صار دستوراً. ولا هذا هو المطلوب او ما يطمئن الخائفين على لبنان. فلا معنى لإلتزام الطائف خطابياً مع الإصرار عملياً على تعليق الدستور وتعطيل اللعبة الديمقراطية في الإستحقاق الرئاسي. والمطلوب عودة الى اللعبة الديمقراطية لإنهاء الشغور الرئاسي على الطريق الى فك الرئاسة والجمهورية من الأسر.

والواقع ان الصراع السياسي هو من طبائع الأمور في النظام الديمقراطي، ومن الأقدار في الأنظمة السلطوية والشمولية. لكن الأسوأ والأخطر بين أنواع الصراع السياسي هو صراع العاجزين عن حسم الصراع او عن التفاهم.

يقول جاك دريدا: «لا خطر على الديمقراطية إلا من الأخوّة غير التي نعرفها، وتصنع القانون وتمارس الديكتاتورية السياسية باسم الأخوّة». كأنه كان يقرأ في كتاب لبنان.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى