صراع “فتح” و”حماس” يُقلق “حزب الله”

كتب رضوان عقيل في “النهار”: لا تحتاج المخيمات الفلسطينية الى أكثر من شرارة سياسية صغيرة حتى تشتعل شوارعها وأزقتها الضيّقة، فكيف إن كان الحدث على مستوى الانفجار الاخير في مخيم برج الشمالي والارتدادات التي سبّبها، وكأنه لا يكفي هذه البيئة التهديدات الاجتماعية والمعيشية لتحضر الخلافات السياسية في صفوف فصائلها وخصوصاً بين حركتي “#فتح” و”#حماس” حيث لم تنتظم العلاقات بينهما من أصغر حيّ في مخيّمات الشتات الى قلب رام الله وقطاع غزة. ولم تظهر التحقيقات بعد أسباب الانفجار التي يتولاها قياديون في الجناح العسكري في “حماس”، وهي محل متابعة ومواكبة دقيقة من “#حزب الله” من الناحيتين الامنية والسياسية، لأن مثل هذه الحوادث تسبّب له جملة من الإحراجات التي يستغلها معارضوه والعودة الى قصّة “السلاح غير الشرعي” فكيف إن كان في أيدي الفلسطينيين؟
ومن الطبيعي أن يستنفر الحزب هنا لمواكبة ما يحصل في المخيمات وما إن كان هناك من مخطّط لاشتعالها والعودة الى مشاهد الاقتتال بين فصائلها، وسط الخشية من دخول العامل الإسرائيلي على خط استنزاف “حماس” وإنهاكها بمسلسل اشتباكات مع “فتح”، بخلاف مشروع بوصلتها الاستراتيجية ومسارها العسكري. ولن يخرج هذا الفرع الفلسطيني من “الإخوان المسلمين” عن تحالفه وتنسيقه المفتوحين مع الحزب وإن تمايز قليلاً عن الفروع الأخرى في المنطقة. ولا يزال تطوّر برج الشمالي محل متابعة من رئيس المكتب السياسي في الحركة إسماعيل هنية. ووصل امس رئيسها في الخارج خالد مشعل الى بيروت في زيارة كانت مقرّرة قبل الانفجار.
ولذلك سارعت جهات لبنانية عدّة في تسليط الضوء على هذا التطوّر واستثماره إعلامياً بغية توجيه السهام نحو الحزب وتحميله مسؤولية وجود الترسانات والمخازن العسكرية في المخيمات التي تعود الى أيام عز منظمة التحرير الفلسطينية في ثمانينيات القرن الفائت. ولا تظهر المعطيات بحسب معلومات عسكرية أن هذه المخازن تحوي صواريخ من الجيل الحديث على غرار تلك الموجودة عند الحزب. وتوجد لـ”حماس” العشرات من المراكز الاجتماعية والصحية في المخيمات وتملك مجموعات لا بأس بها من من الشبان المدرّبين والمنظمين حيث تمكنت في السنوات الاخيرة من تأسيس بنية عسكرية يُحسب لها لا تشبه حالات فصائل أخرى تدب الفوضى في صفوف قياداتها وعناصرها.
ولم يعد خافياً أن من يمسك بملف المخيمات في لبنان يتحكم بلعبة المفاوضات مع إسرائيل، ولن تتقبّل “فتح” وجود شريك لها على مستوى “حماس” في إدارة ورقة اللاجئين التي تستغل حالة التحلل والتراجع التي تعيشها منظمة التحرير. وكلما حصل تصعيد بين الطرفين في الداخل الفلسطيني بين غزة ورام الله تمتدّ شرارتها الى المخيمات في لبنان، على عكس حال القبضة الحديدية التي يمارسها النظامان السوري والاردني على اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهما. وأثبتت الايام أن المخيمات تشكل الخاصرة الرخوة في الجسم اللبناني منذ “اتفاق القاهرة” في عام 1969. وتسيطر موجة من الاستنفارات في المخيمات التي تعيش حالة من الغليان في الايام الاخيرة. وتلقت الفصائل المعنيّة رسالة تحذير من مرجع لبناني تفيد بأن ما يحصل يهدّد الأمن اللبناني.
وبالنسبة الى انفجار برج الشمالي الذي وقع في المسجد الذي تشرف عليه “حماس”، كانت الصحافة الاسرائيلية قد أشارت إليه وحذرت منه. وذكرت أن العاملين في المبنى حوّلوه مستودعاً لتخزين الصواريخ والتدريب على صناعتها في الطبقة السفلى. ولم تنته رحلة تشييع المهندس إبرهيم شاهين الذي لاقى حتفه في الانفجار إلا بسقوط ثلاثة شبان من الحركة، الامر الذي تسبب بظهور الجمر السياسي على السطح الذي كان مخبّأً تحت رماد العلاقة المتأرجحة بينها و”فتح”. وتتواصل الاجتماعات بين الفصائل مع الرفض الشديد لـ”حماس” بعدم جلوسها مع “فتح” قبل تسليم المتهمين بإطلاق النار على التشييع. وردّت “فتح” عليها بقطع اتصالاتها معها.
وتسلمت الأجهزة الأمنية اللبنانية لائحة بهؤلاء وعددهم نحو 15 شخصاً. ولم تكن قيادتا حركة “أمل” و”حزب الله” بعيدتين عن هذه الاتصالات بغية تخفيف حالة الاحتقان. ونجحتا في التخفيف من مسوّدة البيانات الشديدة اللهجة التي كانت تعدّها “حماس”. وورد في مسوّدة بيان لها لم يأخذ طريقه الى النشر، طلبٌ من الأجهزة الأمنية اللبنانية وقف نشاط “جهاز الأمن الوطني الفلسطيني” وأن كوادره على علاقة مع المخابرات الاسرائيلية. وبحسب “حماس” فإن ضابطاً فلسطينياً كبيراً يقيم في بيروت ويتخذ من سفارة بلاده في بئر حسن مقراً لغرفة عملياته، وتربطه علاقات مع شريحة كبيرة من سياسيين لبنانيين يعارضون “حزب الله”. ويقول قيادي فلسطيني على مسافة واحدة من الطرفين إنه لا ينبغي التقليل من “التدخل الإسرائيلي” عند وقوع مثل هذه الأحداث في المخيمات، وهو قادر على خرقها.
أما لبنانياً فقد تحوّل انفجار برج الشمالي وما رافقه، مادة في يوميات السجالات اللبنانية، ولا سيما من الاطراف الرافضة لوجود أي سلاح خارج الشرعية اللبنانية. ولم تتلق “حماس” بارتياح الانتقادات التي تلقتها من أطراف لبنانية، ولا سيما من الرئيس فؤاد السنيورة، لكنها تسجل للنائبة بهية الحريري تواصلها مع قيادة الحركة.
بعدما ضاق اللاجئون ذرعاً بكل الفصول الدموية المتنقلة في المخيمات، لم يبق أمامهم إلا القول لفصائلهم: لا فائدة من مسلسل الاقتتال. وكفوا عن تقديم الهدايا المجانية لإسرائيل.