صراع على التمويل: كيف يحاول ترمب التحكم في الإنفاق الحكومي؟

وسط جدل جديد حول تجاوز صلاحيات الكونغرس
تصر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قدرتها على حجب مليارات الدولارات المخصصة لخدمات الإسكان منخفض الدخل، والمساعدات التعليمية، ومنح البحوث الطبية، وبرامج أخرى أقرها الكونغرس، وفقاً لوثائق عامة صدرت يوم الاثنين.
ومن المرجح أن تُعيد هذه الممارسات إشعال الجدل حول سلطة الإدارة في تجميد الأموال المقرّة من الكونغرس، متجاوزة بذلك السلطة الدستورية التي يتمتع بها الفرع التشريعي. ويعود هذا الصراع على السلطة إلى فترة ترمب الأولى، عندما أدى رفضه الإفراج عن الأموال المقررة لأوكرانيا إلى إشعال إجراءات عزله في مجلس النواب، التي بُرّئ منها لاحقاً في مجلس الشيوخ، وفق صحيفة «واشنطن بوست».
وخلال فترة ولايته الثانية، بدا ترمب أكثر جرأة في تجاهل خطط الإنفاق المقررة من الكونغرس، في حين اكتفى المجلسان اللذان يسيطر عليهما الجمهوريون بالموافقة الضمنية. ومع ذلك، بقيت القضية محط جدل في المحاكم التي قررت مؤخراً أن مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض يجب أن يُعلن قرارات الإنفاق الخاصة به.
شروط صارمة لإطلاق الأموال
وتُظهر الوثائق الجديدة التي صدرت بموجب أمر المحكمة، أن مكتب الموازنة يفرض اختبارات صارمة قبل الإفراج عن الأموال، مطالباً الوكالات بوضع خطط تثبت التزامها بالتوجيهات التي أصدرها ترمب في أوامر تنفيذية، مثل تجنب الإنفاق على برامج التنوع. وعلى الرغم من أن الرئيس يمتلك سلطة إصدار هذه التوجيهات، يقول الخبراء إن لها وزناً قانونياً أقل مقارنة بإجراءات الكونغرس.
وتوضح الوثائق أن المكتب، في بعض الحالات، حجب الأموال حتى تقدم الوكالات خطة إنفاق معتمدة من البيت الأبيض، وفي حالات أخرى منع صرف الأموال التي تتعارض مع الأوامر التنفيذية للرئيس.
سلطة فوغت و«مشروع 2025»
وتمنح هذه القيود راسل فوغت، مدير مكتب الموازنة وأحد مهندسي خطة الحكم المحافظة المثيرة للجدل «مشروع 2025»، سلطة الموافقة أو الرفض على معظم قرارات الإنفاق تقريباً، في حين لم تقدّم الوثائق سجلاً كاملاً للأموال الحكومية المحجوزة.
وتأتي متطلبات الإنفاق الجديدة على شكل ملاحظات مرفقة بـ«التخصيصات»، وهي سجلات تمنح الوكالات الإذن بصرف الأموال الفيدرالية. وقال خبراء إن مكاتب الموازنة الفيدرالية في إدارات سابقة كانت تطلب من الوكالات وضع خطط للإنفاق قبل صرف الأموال، لكن حجب تلك الأموال يُعد «تأجيلاً غير قانوني للإنفاق» بموجب قانون السيطرة على الموازنة والحجب لعام 1974.
ووصف أستاذ القانون في جامعة جورج تاون، ديفيد سوبر، القيود بأنها تحوّل مكتب الإدارة والموازنة «من مجرد بائع مؤقت للأموال إلى مالك متسلط ومتدخل بشكل دائم». وأضاف أن التخصيص مصمم بوصفه عملية لمرة واحدة لضمان التزام الوكالات بقوانين الإنفاق، لكن قيود إدارة ترمب تغيّر هذا النظام، وتجعل المكتب طرفاً دائماً في مراقبة كل عملية صرف لضمان توافقها مع أولويات الرئيس، مؤكداً: «هذا غير قانوني تماماً. ليست لديهم السلطة للقيام بذلك».
وبينما رفض ممثل عن مكتب الإدارة والموازنة التعليق، أشار إلى بيانات صدرت عن فوغت والمستشار القانوني العام للمكتب، مارك باوليتا، التي تحدّت استنتاجات مراقبي الحكومة أن الإدارة كانت تحجب الإنفاق بشكل غير قانوني.
وفي شهادة أمام مجلس الشيوخ في يناير (كانون الثاني)، قال فوغت: «لقد ترشح الرئيس على أساس أن قانون السيطرة على الحجب غير دستوري، وأنا أتفق مع ذلك»، مشيراً إلى القانون الذي يمنع الرئيس من حجب التمويل بشكل أحادي.
وكان مكتب الإدارة والموازنة ملزماً قانوناً منذ عام 2022 بنشر التخصيصات على موقع إلكتروني عام، لكن فوغت أزال الموقع في مارس (آذار)، بحجة أنه يكشف «معلومات حساسة وسابقة لاتخاذ القرارات، ومدروسة». وفي وقت سابق من هذا الشهر، قضت محكمة استئناف فيدرالية بأن الإدارة يجب أن تعيد نشر المعلومات للجمهور، وكان على المكتب إعادة الموقع بحلول يوم الجمعة، وبعدها نُشرت التخصيصات لوزارة العدل ووزارة شؤون المحاربين القدامى، مع تحميل المزيد من السجلات خلال عطلة نهاية الأسبوع.
توجيه الإنفاق وفق أولويات الرئيس
وقالت العضوة الديمقراطية البارزة في لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، السيناتورة باتي موراي: «من الواضح الآن لماذا قاوم فوغت وترمب بشدة جعل هذه المعلومات عامة. لقد استخدموا هذه العملية للسيطرة على التمويل المقرّ من الكونغرس بشكل سري وغير قانوني، مما أوقف الاستثمارات الأساسية التي تحتاج إليها الوكالات لأداء عملها الحيوي وخدمة الشعب الأميركي».
وقد استخدم ترمب الاستراتيجية نفسها مرة واحدة على الأقل خلال ولايته الأولى، عندما حجب مكتب الإدارة والموازنة مؤقتاً تمويل البنتاغون ووزارة الخارجية لأوكرانيا في 2019 قبل محادثة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وكان «مشروع 2025» -الدليل المحافظ لفترة ترمب الثانية الذي تراجع عنه الرئيس خلال حملته الانتخابية- يوصي صراحة باستخدام مدير مكتب الإدارة والموازنة للتحكم في التخصيصات وتوجيه الإنفاق بما يتوافق مع أولويات الرئيس.