صراعات ترامب الداخلية تثير قلق زعماء العالم

إنّ صراعات ترامب الداخلية تثير قلق القادة الأجانب. والسؤال المطروح هو ما إذا كان سيخاطر أكثر خارج حدود الولايات المتحدة.
داخل الولايات المتحدة، يواجه الرئيس دونالد ترامب تحديات بسبب ارتفاع أسعار المستهلك، وفضيحة إبستين، واستعداد الجمهوريين الجديد لتحدّيه. لكن خارج حدود الولايات المتحدة، لا يزال الرئيس الأميركي عملاقاً في نظر العالم؛ وشخصاً قادراً على تدمير بلدٍ آخر، أو ربما الوحيد القادر على حلّ مشاكل بلدٍ آخر.
قال مسؤول عربي عن ترامب، دعونا نواجه الأمر، إنه لا يهتم كثيراً بالكونغرس: “إنه لا يحتاج إلى الكابيتول هيل لإنجاز العمل من وجهة نظر السياسة الخارجية”.
وأخبرني فوك جيريميتش، وزير الخارجية الصربي السابق، أنه سواء أحب الناس ترامب أم لا، “لا أعتقد أن هناك أي شك في أنه شخصية عالمية مؤثرة للغاية”، ولم يكن الوحيد الذي استخدم مصطلح “مؤثر”.
لا يحمل هذا الوصف حكماً أخلاقياً؛ يمكن لأي شخص أن يكون ذا شأن سواء أنقذ العالم أم دمّره. ما تشير إليه الكلمة في هذا السياق هو قوة الرئاسة الأميركية، إذ يبقى أضعف رئيس أميركي أقوى من أقوى زعيم في معظم الدول الأخرى. ثروة أميركا وأسلحتها ونفوذها العالمي تضمن ذلك.
لطالما تمتع رؤساء الولايات المتحدة بحرية أكبر وقدرة أوسع على اتخاذ إجراءات مباشرة في السياسة الخارجية مقارنة بالسياسة الداخلية. كما أنهم غالباً ما يلجؤون إلى الساحة العالمية عندما يتلاشى نفوذهم الوطني في سنواتهم الأخيرة في السلطة، حين لا يكون عليهم القلق بشأن إعادة انتخابهم.
في السنة الأولى من ولايته الثانية، أذهل ترامب العالم مراراً وتكراراً، في كل شيء بدءاً من قطع المساعدات الخارجية الأميركية وصولاً إلى قصف المنشآت النووية الإيرانية. ولا يزال متقلباً كعادته، إذ يغيّر مواقفه في كل شيء، من حرب روسيا على أوكرانيا إلى رغبته في طرد الفلسطينيين من غزة. يسعى ترامب للفوز بجائزة نوبل للسلام، لكنه يهدد بحرب محتملة مع فنزويلا.
أذهلت استراتيجيته للأمن القومي المراقبين الأجانب على العديد من المستويات. وكان الجزء الأكثر إثارة للدهشة هو هجومها على حلفاء أميركا في أوروبا، التي زعمت أنها تواجه “محواً حضارياً”. ومع ذلك، أشاد بعض المسؤولين الأجانب بتحركاته التخريبية، وقالوا إنهم يأملون أن يستمر في هزّ النظام الدولي المتصلّب.
أعرب عدد من القادة الأفارقة تحديداً عن رغبتهم في أن ينخرط ترامب بشكل أكبر في إنهاء النزاعات في قارتهم، وخاصة في السودان. ولا يكترث هؤلاء بالتصريحات المسيئة الكثيرة التي أدلى بها ترامب عن أفريقيا، معتبرين إياها مجرد خطاب سياسي لا قيمة له.
يزعم ترامب أنه أنهى بالفعل سبع أو ثماني حروب. إنه ادعاء مبالغ فيه، لا سيما أن بعض الصراعات التي يشير إليها لم تكن حروباً، وبعض الهدن التي توسط فيها كانت هشّة.
عندما أشرتُ إلى هذا، نصحني مسؤولون أجانب بخفض سقف توقعاتي، مؤكدين أنّ السلام عملية مستمرة، وأنه إذا استطاع ترامب تسريع هذه العملية فسيكون ذلك إنجازاً.
وربما لا تزال هناك اشتباكات بين رواندا والكونغو، لكن على الأقل، كما أشاروا، يُجبر ترامب الطرفين على الحوار والاتفاق على اتفاقيات إطارية.
ثمة تقدير في العديد من الأوساط الدبلوماسية للرؤية الاقتصادية التي يفرضها ترامب على العالم. وتستفيد دول عربية ثرية بالفعل من هذه الدبلوماسية التجارية، بينما يسعى البعض الآخر للمشاركة فيها.
وقال مثولي نكوبي، وزير مالية زيمبابوي: “لقد كان واضحاً تماماً أن سياسته تجاه أفريقيا يجب أن تركز على التعامل التجاري مع القارة، وهذا، في رأيي، تقدمي للغاية”. وأضاف أنّ أحد الأسئلة المطروحة في الأوساط الدبلوماسية العالمية هو ما إذا كان الرئيس الأميركي القادم ، ديمقراطياً أم جمهورياً ، سيتبنى “إبداع” ترامب.
وفي حديث خاص، أبدى مسؤول أوروبي آخر استياءه الشديد، قائلاً إنّ اتهامات هذه الاستراتيجية “مقلقة للغاية”. ومع ذلك، وافق على أنّ ترامب يتمتع بقوة كبيرة بحيث لا تستطيع الدول الأوروبية فعل الكثير سوى تنظيم بعض الاحتجاجات الدبلوماسية الرمزية.
وأعرب العديد من الدبلوماسيين الأجانب عن تفاؤلهم بأن سعي ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام سيقوده إلى اتخاذ إجراءات على الساحة العالمية قد تجلب، في نهاية المطاف، مزيداً من الاستقرار ، حتى لو كانت الرحلة صعبة.
وقال دبلوماسي بريطاني إنهم تأثروا بتأملات ترامب حول دخول الجنة. فهل يدفعه قلقه من الآخرة إلى تجنب مواجهة مع فنزويلا، مثلاً؟ وأضاف الدبلوماسي: “إنه يفكر في إرثه”.
حتى اللحظة الأخيرة من رئاسته، سيظل ترامب يتمتع بسلطة استثنائية تتجاوز حدود الولايات المتحدة، ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع حتى لو انقلب عليه الحزب الجمهوري بأكمله. أمامه الآن أكثر من ثلاث سنوات. وربما يُنهي الهجرة إلى الولايات المتحدة، أو يُسلم أوكرانيا للعدوان الروسي، أو يُبرم اتفاقاً نووياً مع إيران.
ومما لا شك فيه أن ترامب ، كما قال نكوبي من زيمبابوي ، لا يفتقر إلى “الإبداع”.




