رأي

شيعة الخليج: الكويتيون نموذجا

كتب سعد بن طفلة العجمي في صحيفة إندبندنت عربية.

مرت قبل أيام ذكرى عاشوراء ومقتل الحسين بن علي بن أبي طالب السنوية. المناسبة تترافق معها مراسم وشعائر دينية شيعية، أصبحت هذه الشعائر مثار جدل حول كيفية إحياء هذه الذكرى الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وتبادل رجال الدين، شيعة وسنة، الجدل حول بعض هذه الشعائر والممارسات.

وازداد هذا الجدل حدة بتدخل الدول وتبنيها لهذه المناسبات الدينية وطريقة إحيائها، وخصوصاً دولة إقليمية كبيرة مثل إيران التي تتبنى المذهب الجعفري الاثنا عشري وتؤكد ذلك في دستورها، والعراق الذي تحكمه أحزاب شيعية يتبع معظمها لإيران.

وغني عن القول إن دخول السياسة على خط الدين وخصوصاً بالتدخل في الطقوس الدينية وفرض طريقتها هو إفساد للمعاني السامية التي ينادي بها المتدنيون التلقائيون والروحانيون في كل مكان.

بقيت للشعائر الحسينية في دول الخليج خصوصية مميزة ومختلفة عن الشعائر المسيسة التي تفرضها إيران أو تنادي بها الأحزاب التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان. وكانت عاشوراء تمر غالباً في دول الخليج من دون جدل أو “شوشرة” طائفية، لكن التشيع السياسي، مثلما التسنن السياسي، خلق حال احتقان وجرعة زائدة من الجدل حول كيفية إحياء ذكرى عاشوراء.

جدير بالذكر أن الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي الدولة الشيعية الوحيدة بالعالم رسمياً، لا تعاني هذا الجدل داخلها، ولا تشهد كما يشهد العراق، على سبيل المثال، من ممارسات وطقوس أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها خارج المعقول والمنطق، وتفتقر إلى الذوق والتنظيم والنظافة، بل إن الاحتفاء بالسنة الجديدة (النيروز) بإيران يشهد مشاركة في إحيائه أكثر من إحياء الإيرانيين لذكرى عاشوراء وعيدي الفطر والأضحى.

في الكويت، أعلنت وزارة الداخلية مع دخول شهر محرم بأنها ستمنع كافة الظواهر التي تخرج خارج الحسينيات لإحياء هذه الذكرى، وزودت أصحاب الحسينيات بقائمة من التوجيهات التنظيمية لضبط حركة المرور من ناحية، ولتوفير الحماية والأمن للمشاركين بإحياء هذه الذكرى العظيمة. وأكدت الوزارة في بيانها بأنها لا تفرض نظاماً جديداً، وإنما تطبق لوائح وأنظمة قائمة كان يتم التهاون في تطبيقها بالماضي لأسباب مختلفة.

ثارت ثائرة المتطرفين من الشيعة، وراحت شخصيات محسوبة على إيران و”حزب الله” الكويتي تلطم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن هذا تضييق على الشيعة وتدخل للحد من المظاهر الحسينية وما شابهه من عويل مزعوم دفاعاً عن المذهب والشعائر الشيعية، ولكن كما أن “داعش” ليست هي أهل السنة، فإن “حزب الله” ليس طائفة الشيعة، لا في الكويت ولا في العراق ولا في لبنان. فكان أن تصدى لهذه الأصوات النشاز المدنيون الكويتيون والشيعة الوطنيون، فريق الشيعة الوطنيين أيدوا الإجراءات الأمنية والتنظيمية ورفضوا مزايدات المتطرفين، وعارضوا صوت الطائفيين الذين يرون في هذه المناسبات فرصة للتكسب وحشد الأتباع.

كان من بين هذه الأصوات شخصيات وطنية من أطباء وأساتذة جامعات ومهندسين ونشطاء كويتيين ولدوا بأسر شيعية، ولكنهم يقدمون ولاءهم الوطني قبل انتمائهم “الصدفي” لطوائفهم، فلجموا أصوات النشاز الدخيلة على شعائر الحسينية التقليدية الكويتية، وأخرسوا من حاول مصادرة مواطنتهم على حساب تفاسير سياسية أتت من خارج حدود وطنهم.

هذه الحال الكويتية الوطنية الشيعية التي أخمدت أصوات المتطرفين الشيعية هي نموذج لما يمكن أن يكون عليه التعايش بين طوائفنا في منطقة الخليج عموماً، والكويت تحديداً. وهي الوصفة العلمية الحديثة لقطع الطريق على التكسب الإيراني بحماية الشيعة في كل مكان، فكلما شعر المواطن بحريته وكرامته في وطنه، كلما قلت احتمالات ولائه للخارج، وضعفت احتمالات وقوعه في أفخاخ تجار الدين السياسي الموجودين بين الطوائف كافة.

لن يخلو مجتمع لا تدعي فيه أصوات ما المظلومية بسبب انتماءاتهم، فلا يزال بيننا في الكويت من يظن أنه مظلوم لأن الشيعة أخذوا كل شيء، وشيعة يعتقدون أنهم محرومون مظلومون لأنهم شيعة أهل البيت، كما يعيش بيننا من يعتقد أن أبناء القبائل قد استحوذوا على مقدرات البلاد، بينما يرى أبناء قبائل أنهم مظلومون مهمشون وهكذا.

يذكر أن أعمال شغب ونهب وفوضى اجتاحت بريطانيا قبل أيام لأن بيضاً يظنون أن المسلمين والمهاجرين قد استحوذوا على بلادهم وهمشوهم داخل أوطانهم، ويرتكبون جرائم ضدهم ادعوا أن آخرها كان طعن أطفال في قرية ساوثبورت يوليو (تموز) الماضي.

ما يعزز الصوت الوطني بين كل الطوائف هو إحساس المواطن بأهمية وجود الدولة التي يعيش بكنفها بصفته مواطناً، وإيمانه بأن القانون سيأخذ مجراه ويطبق على الجميع من دون استثناء.

وإذا ما استثنينا الحادثة الإرهابية المخزية التي ضربت حسينية في عمان، فإن ذكرى عاشوراء وكربلاء وشعائر شهر محرم وطقوسه لدى الشيعة في دول الخليج مرت بحرية وهدوء وسلام، وستحافظ على خصوصيتها العربية-الخليجية بكل قوة وصلابة طالما قطعنا الطرق على المتكسبين والطائفيين الذين يحاولون شق المجتمعات الخليجية باسم الدفاع عن الشيعة والتشيع.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى