رأي

“شراكة لا تقدر بثمن” بين مصر وكوريا

كتب محمد صابرين في صحيفة الأهرام.

مما لا شك فيه أن المشهد العالمي سريع التغير، وتخيم عليه ظلال كثيفة من الشكوك والمخاوف من التقلبات الحادة، بل وعدم اليقين من ثبات التحالفات، واستقرار الشراكات ناهيك عن تطورها. 

وتقدم مصر وكوريا الجنوبية نموذجًا فريدًا للعلاقات المتميزة على قاعدة “رابح رابح”، والبعيد عن أي أجندات خفية، ولا أحد كان يتخيل أن تصل العلاقات المصرية الكورية الجنوبية هذه المرحلة من التطور والتشعب خلال هذه العقود الثلاثة. 

والمدهش أن كلا من القاهرة وسول رغم سعادتهما بقوة العلاقات بينهما إلا أنهما رفعا سقف طموحاتهما، وبينما استعدت القاهرة وسول لتنظيم سلسلة من الفعاليات الثقافية والمنتديات الاقتصادية للاحتفال بمرور 30 عامًا على علاقات مصر وكوريا، إلا أن البلدين حريصتان على وضع خارطة طريق للمستقبل. 

ووفقًا لرؤية السفير المصري لدى كوريا الجنوبية خالد عبدالرحمن، “في المستقبل، ينبغي لمصر وكوريا مواصلة تعزيز التعاون في مجالات التجارة والتكنولوجيا والبنية التحتية، مع تعزيز التبادلات الثقافية لتعزيز التفاهم والتعاون المتبادلين”. 

وتتطلع القاهرة وسول على وجه الخصوص، إلى قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتحول الرقمي والدفاع، باعتبارها مجالات تعاون “واعدة”، وتشجع مصر الاستثمار الكوري، وتقدم حوافز في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والمدن الذكية والنقل. وترصد سول بناء القاهرة 14 مدينة ذكية، بحاجة إلى الأجهزة الذكية والألياف الضوئية والاتصال بالإنترنت، مما يوفر فرصًا كبيرة للاستثمار، وإمكانات هائلة للشركات الكورية للعمل.

ومن جانبه يرى السفير الكوري الجنوبي كيم يونج هيون، أن مصر ستكون “شريكًا لا يُقدر بثمن” لبلاده، في ظل سعيها إلى توسيع تعاونها مع دول الجنوب، ورغبة منها في تحمل المزيد من المسئوليات على الساحة الدولية، وتمثل مصر أرضًا خصبة للفرص. 

ويؤكد هيون هنا أنه “وبما أن توقعات جولدمان ساكس للاقتصاد العالمي لعام 2024 تُصنّف مصر كسابع أكبر اقتصاد بحلول عام 2075، فإن مصر تُمثّل الحل الأمثل للشركات الكورية التي تبحث عن وجهات استثمارية جديدة في ظلّ المشهد الجيواقتصادي العالمي سريع التغير”. 

وترى سول أن مصر تُعد شريكًا تجاريًا مهمًا لكوريا الجنوبية في إفريقيا، ووجهة استثمارية وتجارية واعدة في الشرق الأوسط، وهناك بنية تحتية جيدة في مصر تحفز الشركات الأجنبية على الاستثمار.

وبنظرة سريعة فإن مصر هي الشريك التجاري الرابع لكوريا الجنوبية في قارة إفريقيا، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وكوريا 3.9 مليار دولار، وتبلغ حجم الاستثمارات الكورية في مصر 900 مليون دولار في عدد من القطاعات أبرزها التكنولوجيا والسيارات والنقل. 

وتشهد التطورات المتلاحقة على النمو القوي للعلاقات الثنائية منذ اتفاقية الشراكة التعاونية الشاملة عام ٢٠١٦، وشعبية الموجة الثقافية الكورية “هاليو” في مصر، وتفاهما على أهمية توسيع التبادلات الثقافية في مجالات مثل اللغة والسياحة والرياضة. 

ويكفي الإشارة إلى أن ٥١٣٥ مصريًا تعلموا اللغة الكورية في معهد الملك سيجونغ التابع للمركز الثقافي الكوري بين عامي ٢٠٢١ و٢٠٢٣.

ويرى السفير المصري خالد عبدالرحمن بأن جهود كوريا لتوطين صناعاتها في مصر، مثل الصناعات الدفاعية والبنية التحتية، ستساهم في تعزيز التعاون بين البلدين، مؤكدًا أن مبادرات بلاده في هذه القطاعات تتيح فرصًا عديدة للشركات الكورية لتوسيع حضورها في مصر، التي تحتل موقعًا إستراتيجيًا حيويًا يربط بين إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، وقال عبدالرحمن في مقابلة مع وكالة يونهاب للأنباء يوم الإثنين الماضي “نحن في نقطة محورية على طريق التجارة العالمية، وأعتقد أن الكلمة الأساسية هنا هي توطين الصناعة في مصر. 

إذا كانت الشركات الكورية حريصة على التعاون مع مصر، فيجب أن يشمل عرضها توطين الصناعة في مصر”، ومن ناحية أخرى برزت مصر كشريك رئيسي في التعاون الدفاعي لكوريا في الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس الشراكة الإستراتيجية المتنامية بين البلدين. 

وفي هذا السياق، أعرب السفير المصري عن أمله في أن تُسفر محاولة كوريا لتصدير طائرات الهجوم الخفيفة من طراز FA-50 والصواريخ المضادة للدبابات إلى مصر عن نتيجة إيجابية. 

وقال إن “كوريا دولة متقدمة جدًا في تصنيع هذه الأنظمة، وآمل بشدة أن تُفضي المناقشات التقنية والمفصلة بين المؤسسات المصرية والشركات الكورية إلى نتائج إيجابية”. وأوضح أن الشراكات الدفاعية يمكن أن تتخذ أيضًا شكل التوطين، وأن مصر تمتلك قاعدة صناعية لقطاعي الأسلحة والدفاع، وقال إن هذا التعاون مهم للصناعات الدفاعية لتبادل الخبرات، ولتصدير هذه المنتجات إلى دول أخرى، سواء في القارة الأفريقية أو في العالم العربي”.

وتبدو مسيرة العلاقات على مدار الثلاثين عامًا الماضية “متميزة”، ويرى السفير الكوري المخضرم أن التبادلات رفيعة المستوى، مثل زيارة الرئيس السيسي إلى كوريا عام ٢٠١٦، وزيارة الرئيس مون جاي إن إلى مصر عام ٢٠٢٢، ساهمت في الارتقاء بعلاقتنا إلى مستوى شراكة تعاون شاملة، وتوسيع آفاق العلاقات الثنائية إلى آفاق جديدة. 

ويقول السفير هيون “تشرفت بمرافقة الرئيس مون عام ٢٠٢٢ بصفتي سكرتيرًا للرئيس للسياسة الخارجية. وقد أُعجبت بشدة باهتمام الرئيس السيسي الكبير بتطوير العلاقات الكورية المصرية، ونهجه العملي في تحقيق تعاون جوهري”. 

ولقد ازداد حجم التجارة الثنائية بأكثر من خمسة أضعاف، متجاوزًا ٣ مليارات دولار أمريكي عام ٢٠٢٢. وأنشأت شركتا سامسونج وإل جي مصانع في مصر، تُنتج منتجات “صنع في مصر” للتصدير.

وتعمل السفارة، إلى جانب مكتب وكالة التعاون الكوري في القاهرة، بنشاط على الترويج لبيئة الاستثمار المواتية في مصر لدى مجتمع الأعمال الكوري. ويتزايد عدد الشركات الكورية التي تُبدي اهتمامًا بمصر، مع تزايد الاستثمارات الفعلية. تُجري كوريا ومصر أيضًا مناقشات لوضع إطار عمل لتعاون اقتصادي أكثر استدامة من خلال اتفاقية الشراكة الاقتصادية (EPA)، والتي لن تُوسّع نطاق التجارة فحسب، بل ستُسهم أيضًا في زيادة استثمارات الشركات الكورية في مصر. 

ومن ناحية أخرى، فإن الإنجازات في مجال التعاون التنموي هائلة أيضًا، وتُعدّ مصر الشريك الأوحد لكوريا في مجال التعاون التنموي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولقد عملا معًا في مشاريع مختلفة في قطاعات النقل والتعليم والإدارة العامة والبيئة، مُساهمين بذلك في المبادرات الوطنية المصرية مثل رؤية 2030. 

وتتعاون وكالة التعاون الدولي الكورية (KOICA) بشكل وثيق مع جامعة بني سويف التكنولوجية، وهي مثالٌ ناجحٌ على مبادرة مصر لإنشاء جامعات تكنولوجية جديدة مدتها أربع سنوات، كما تلعب وكالة التعاون الدولي الكورية (KOICA) دورًا مهمًا في التحوّل الرقمي في مصر، بما في ذلك إنشاء أول نظام إلكتروني للمشتريات الحكومية في مصر، وتطبيق تقنية الذكاء الاصطناعي في التخليص الجمركي. 

ويتوقع السفير الكوري ظهور المزيد من المشاريع الجديدة مع اتفاق البلدين على زيادة صندوق التعاون التنموي من مليار دولار أمريكي إلى 3 مليارات دولار أمريكي العام الماضي في القمة الكورية الإفريقية الافتتاحية في سيول.

وفي الوقت نفسه تجري الحكومة المصرية مناقشات نشطة مع شركات الطيران الكورية لتسهيل استئناف الرحلات الجوية المباشرة المنتظمة بين سول والقاهرة، لتعزيز السياحة وتعزيز الأعمال؛ وذلك نظرًا لتزايد عدد السياح الكوريين الذين يزورون مصر، وتدرس الحكومتان خيارات لإعادة تفعيل الطيران المباشر قريبًا. 

ويبقى أن القاهرة وسول لا تحد تطلعاتهما نحو المستقبل أي حدود، كما أن صديقي السفير المحنك كيم يونج هيون، يعشق مصر، ويرى فرصا هائلة لبلاده في الشراكة مع مصر، والرجل يدفعنا باستمرار في جمعية الصداقة المصرية-الكورية للتفكير والعمل على مزيد من الأفكار للرقي بالعلاقات. 

وفي المقابل لا يهدأ الصديق المتميز السفير خالد عبدالرحمن عن العمل والتواصل مع الحكومة، والإعلام والشركات والجامعات، والجالية المصرية، والرجل يرغب في أن تتطور العلاقات بقوة وسرعة. 

وأحسب أن هناك الكثير من الرجال والنساء الذين عملوا على تطوير العلاقات، ودومًا هناك فرصة طالما وجدت الإرادة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى