رأي

شبح ترامب ـ مسار الاتحاد الأوروبي الصعب نحو السيادة الدفاعية

أبدت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استعدادها لزيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير، وفق ما جاء في بيان مشترك عقب القمة التي عقدت في بروكسل (الخميس السادس من مارس / آذار 2025). ويأتي ذلك، بعدما كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين هذا الأسبوع عن خطة لـ”إعادة تسليح أوروبا” تقضي برصد حوالى 800 مليار يورو، في سياق التقلبات الجيوسياسية الجذرية الدولية جراء مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال البيان إن التكتل القاري “سيزيد من جاهزيته الدفاعية العامة، ويقلل من اعتماده الاستراتيجي، ويسد الثغرات الحاسمة في قدراته، ويعزز قاعدة الدفاع التكنولوجية والصناعية الأوروبية”. وإزاء التهديد الروسي وتواصل الحرب في أوكرانيا وخطر سحب الولايات المتحدة لغطائها الأمني والدفاعي تجاه القارة العجوز، تشهد أوروبا حاليا تغيرا جذريا في المواقف. فقد قررت برلين، بشكل غير متوقع، استثمار مبالغ ضخمة في بناء قدراتها العسكرية، ودعت من أجل ذلك لإدخال مرونة في آليات وقواعد الميزانية الأوروبية المتشددة، ما أثار ذهول المراقبين.

وبهذا الصدد، كتبت صحيفة “إلموندو” الإسبانية معلقة (السادس من مارس/ آذار 2025)، “تغيير المسار الذي اتخذته ألمانيا لاقتصادها من خلال الاتفاق بين الحزبين الكبيرين لزيادة الإنفاق الدفاعي يبعث بزخم يؤثر على الدول الأخرى (في أوروبا) ويحدد الطريق لمعالجة مشكلتين رئيسيتين في الاتحاد الأوروبي: نقص الاستقلالية في السياسة الدفاعية وقلة الاستثمارات. (..) وبهذا، يُظهر المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس قوة في القيادة (..) وتُظهر ألمانيا إرادتها في العودة إلى صدارة أوروبا، في استجابة للوضع الدولي الحساس الذي نشأ نتيجة لتغيير المسار في البيت الأبيض. الولايات المتحدة عازمة على التخلي عن أوكرانيا وإعادة تشكيل ترتيب التحالفات الذي تم تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية. (..) إن ذلك سيكون صعبًا للغاية إذا لم تتمكن (أوروبا) من تأمين أمنها الخاص والحفاظ على صناعة قادرة على المنافسة. ومع ذلك، فإن التغيير المفاجئ في مسار ألمانيا بعد عامين من الركود يمنح الأمل” وفق تعبير الصحيفة الإسبانية.

برلين ـ زيادة الانفاق الدفاعي مهمة طويلة الأمد

وصف المستشار الألماني أولاف شولتس زيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية بأنها مهمة لـ “العقود العشرين القادمة”. لذلك، من المهم أن تتبع الدول الأوروبية الآن المثال الألماني، وأن يتم إعفاء النفقات الدفاعية بشكل دائم من قيود الديون، كما قال شولتس بعد قمة الاتحاد الأوروبي الاستثنائية في بروكسل (السادس من مارس). وأشار إلى أن هذه المناقشة قد بدأت الآن على مستوى الاتحاد الأوروبي. وكان شولتس قد طالب قبل القمة الاستثنائية بضرورة إعفاء النفقات الدفاعية التي تتجاوز حدّاً معينًا بشكل دائم من قواعد حزمة الاستقرار الأوروبية.  كما أنه كان وهو يقود ائتلاف “إشارة المرور” الذي خسر الانتخابات التشريعية الأخيرة، من المؤيدين بقوة لتخفيف قواعد الديون الصارمة. ولذلك، يعتبر التوصل إلى اتفاق في محادثات الاستكشاف الحالية الخاصة بتشكيل ائتلاف مع التكتل المحافظ (الفائز بالانتخابات)، انتصارًا متأخرًا للمستشار. شولتس أبدى تفاؤله من بروكسل وقال “الاتفاق الذي تم التوصل إليه في محادثات تشكيل الحكومة شيء جيد لأنه سيحل القيود التي فرضناها على أنفسنا (..) يجب أن نتحرر، وهذا هو الهدف الآن”. وكان كل من التكتل المسيحي المحافظ  والحزب الاشتراكي الديموقراطي قد اتفقا أثناء محادثات الاستكشاف (الرابع من مارس/ آذار) على تخفيف قاعدة الديون بالنسبة للنفقات الدفاعية وتخصيص صندوق خاص بقيمة 500 مليار يورو للاستثمار في البنية التحتية.

وبهذا الشأن كتبت صحيفة “هوسبودارسكه نوفيني” الليبرالية التشيكية (السادس من مارس)، إنه “من المستحيل ضمان أمن أوروبا دون مساهمة بارزة من أكبر وأقوى دولة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، أي ألمانيا. وقد أدرك الألمان أخيرًا بعد سنوات من التردد أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة بعد الآن، وذلك بغض النظر عن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. على المدى الطويل، يجب على دول الاتحاد الأوروبي الاهتمام بأمنها الخاص سواءً شاءت أم أبت. طالما أن ألمانيا تبقى شريكًا ديمقراطيًا، يتصرف بشكل بناء، وثابتًا في الاتحاد الأوروبي، فلا ينبغي أن يثير ذلك قلقنا. التحذيرات من المتشائمين الذين يدعون أن الألمان قد يصبحون تهديدًا للآخرين إذا استثمروا بشكل كبير في جيشهم هو هراء غير مسؤول”.

مصادر تمويل مشاريع الدفاع الأوروبية

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة موازنات الدفاع على مستوى الدول الأعضاء. بعض هذه الدول قد تخصص المزيد من الأموال لهذا القطاع في ظل الحاجة الملحة لتعزيز القدرات الدفاعية.على سبيل المثال، دول مثل ألمانيا وفرنسا قد ترفع من مخصصاتها الدفاعية في إطار التزامها تجاه حلف الناتو وكذلك تعزيز قدرتها الدفاعية الذاتية. وهناك أيضا صندوق الدفاع الأوروبي، والذي استثمر فيه التكتل القاري من أجل تمويل المشاريع المشتركة في مجالات البحث والتطوير في الصناعات العسكرية والدفاعية. قد يتوسع هذا الصندوق أو يتم تخصيص مزيد من الموارد له لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية. كما أشارت إلى ذلك أورزولا فون دير لاين، حيث يمكن للاتحاد الأوروبي الاستفادة من أسواق المال لتمويل المشاريع الدفاعية، سواء عبر إصدار سندات بهذا الشأن أو قروض ميسرة. من خلال هذه الآليات، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تقوية دفاعاته بشكل مستقل عن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، خاصة في ظل تغير الموقف الأمريكي تجاه روسيا وتراجع الالتزام بالدور التقليدي الذي تلعبه الولايات المتحدة في أمن أوروبا.

في هذا السياق، لخص موقع “تاغسشاو” التابع للقناة الألمانية الأولى في تقرير (الثالث من مارس) جملة من التحديات الكبرى، معتبراً أنه ولكي “تتمكن الدول الأوروبية من الدفاع عن نفسها ضد روسيا دون الدعم الأمريكي، تشير حسابات مركز الأبحاث “بروغل” في بروكسل ومعهد “كيل” للاقتصاد العالمي إلى أنه سيكون من الضروري تخصيص حوالي 250 مليار يورو سنويًا، تضاف إلى تكاليف الانفاق الحالية على التسلح. وعلى سبيل المثال تمويل حوالي 50 لواءً يضم 300.000 جندي و3.400 دبابة جديدة. للمقارنة: تشكيل لواء جديد واحد في ليتوانيا يضم حوالي 5.000 جندي يتطلب من الجيش الألماني بذل جهد مضني، يكاد يصل إلى حدود طاقته القصوى”.

شكوك بشأن التزام واشنطن بالدفاع المتبادل في الناتو

شكك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجددا في التزامات الدعم  المتبادل داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال ترامب (السادس من مارس) “إذا لم يدفعوا، فلن أدافع عنهم”. وأكد مجددًا اتهامه بأن دول الناتو لا تستثمر بما فيه الكفاية في الدفاع: “يجب عليهم دفع المزيد”، حسب قوله. وكانت تسريبات صحفية سابقة قد أشارت إلى أن ترامب يفكر في ربط الدعم العسكري الأمريكي لدول الناتو بمدى إنفاقها على الدفاع. وهذا المفهوم من شأنه أن يقوض المادة الخامسة من معاهدة الناتو، التي تنص على أن دول الناتو تدافع عن بعضها البعض في حال تعرض أحدها للهجوم.

وبهذا الشأن، ناشدت صحيفة “دي تليغراف” الهولندية (السادس من مارس) دول التكتل القاري من أجل بذل مزيد من الجهود الدفاعية في أوروبا وكتبت معلقة “في الحرب الأوكرانية التي استمرت لثلاث سنوات حتى الآن، كانت رسالة الغرب دائمًا هي أن روسيا لا يجب أن تنتصر. وقد أكد رئيس الوزراء الهولندي السابق (وأمين عام الناتو الحالي) مارك روته على هذا الأمر مرارًا وتكرارًا. وفي الوقت نفسه، يراقب الكرملين بشعور من الرضا كيف يتفكك التحالف الغربي نتيجة لضغوط الرئيس ترامب من أجل التوصل إلى اتفاق سلام سريع. ترغب الدول الأوروبية في تقديم خطتها الخاصة وتتناقش بالفعل بشأن قوة حفظ السلام. ومع ذلك، يبقى إلى حد كبير ما يدور في أذهان الروس بعيدًا عن الأنظار، باستثناء استسلام كييف. لأنه يبدو أن المطالب الروسية قبل غزو أوكرانيا لم تتغير. (…) يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – وهذا يبدو مقلقًا – قد وصل إلى معسكر الكرملين على أمل التوصل إلى اتفاق سريع. يجب على أوروبا أن تنفق المزيد على دفاعها الخاص، وأن تتوحد في مواجهة محاولات روسيا لتدمير النظام الأمني الأوروبي”.

وذهبت صحيفة “نپزافا” اليسارية الليبرالية في بودابست (السادس من مارس) في نفس الاتجاه وكتبت “النظام العالمي الذي نعيش فيه منذ عقود ينهار في لحظات قليلة (..) أوروبا لم تعد قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة (..) السؤال الكبير هو: كيف سيكون شكل أوروبا في المستقبل؟ (..) في أوروبا المستقبلية هذه، لن يكون هناك مكان للمجر – طالما بقيت الحكومة (تحت قيادة رئيس الوزراء المؤيد للكرملين فيكتور أوربان) في السلطة. (..) وفقًا لجميع المؤشرات، يتشكل تحالف جديد للدفاع والحماية، يتكون من بريطانيا وفرنسا وفي ألمانيا (بعد أن يتولى فريدريش ميرتس منصبه كمستشار)، بالإضافة إلى بولندا (..) خطوط التصدع داخل أوروبا واضحة، لكن يجب أن ندرك: من يظل خارج هذا التحالف الذي يتشكل سيكون عرضة لتهديدات روسيا وسيكون دون حماية”.

أي مظلة نووية لأوروبا في مواجهة التهديد الروسي؟

هل تصبح ألمانيا قوة نووية؟ أم أن بريطانيا وفرنسا قادرتان على توفير مظلة نووية لأوروبا؟ لقد بات الأوروبيون يتأكدون يوما بعد يوم أن المظلة الأمريكية أصبحت غير موثوقة، فبدأو البحث عن بديل. هناك أفكار كثيرة لتطوير أسلحة نووية أوروبية مشتركة (..) لكن هذا سيكون مكلفاً. ويعني أنه يجب على البلدان التي ستشتري الأسلحة النووية وتمولها أن تبتلع كبرياءها الوطني وتشترك في الحماية النووية مع الأوروبيين الآخرين. البلد الوحيد الذي يمكنه تحمل ذلك هو ألمانيا.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد كشف (الخامس من مارس) أنه يدرس وضع الحلفاء الأوروبيين تحت حماية الأسلحة النووية الفرنسية وقال بهذا الصدد “استجابة للدعوة التاريخية لمستشار ألمانيا المحتمل، قررت فتح مناقشة استراتيجية حول حماية حلفائنا بالقارة الأوروبية عبر قوة ردعنا”. وكان فريدريش ميرتس اقترح خلال الحملة الانتخابية الأخيرة إجراء مباحثات مع القوى النووية الأوربية الغربية بشأن وضع نهج شامل، كما أن بريطانيا أيضا لديها أسلحة نووية.

وبهذا الصدد كتبت  صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” الألمانية (السابع من مارس) معلقة “كان من الواضح أن الكرملين لن يعجبه ما طرحه الرئيس الفرنسي ماكرون: ضم حلفاء أوروبيين تحت المظلة النووية الفرنسية. كانت موسكو قد تابعت بفرح متزايد تراجع اهتمام واشنطن بأمن أوروبا، بل وتحتفظ بمصداقية “الردع الموسع” الذي يشكل أيضًا العمود الفقري للسياسة الدفاعية الألمانية (..) بتهديده شبه المكشوف باستخدام السلاح النووي، أثار بوتين في الغرب الخوف من التصعيد، مما حال دون تقديم الأسلحة إلى كييف، التي كانت قد تضع موسكو تحت ضغط عسكري أكبر وربما تدفعها للتفاوض” تقول الصحيفة.

المصدر: DW

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى