شباب «خبزة التنور» في ليبيا ظاهرة جديدة في رمضان

المصدر- وكالة “الأناضول”
«خبزة التنور» هو خبز من نوع خاص يعتبر من أبرز معالم شهر رمضان في ليبيا التي لا يكاد منزل يخلو منها خلال الشهر، وجرت العادة بأن تعده النساء إلا أن هذا العام تخصص الشباب في صنعه حتى أصبح الظاهرة الأبرز في رمضان 2022.
ففي ليبيا التي تعد من بين أكثر الدول العربية المتمسكة بالتراث سواء في اللباس أو الأكل، تبرز «خبزة التنور» في شهر الصوم بالوضع الطبيعي المعتمد على إعداد النساء لها في البيوت ويبيعها الشباب في الطرقات التي لا يكاد يخلو شارع من بائعي تلك السلعة.
لكن في رمضان هذا العام تغير المشهد في مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية، فأصبح الشباب هم من يعدونه على الطرقات ويبيعونه أيضا، في مشهد وصفه البعض أنه من علامات ازدياد البطالة ومخلفات الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وقال الشاب صالح عمران، إن «الأمر ليس له علاقة مباشرة بالوضع الاقتصادي بل هي فكرة دعائية لتسويق السلعة».
وتابع موضحا أن «الإقبال على خيام شباب التنور كبير جدا وأكثر منه في أي مكان بيع آخر».
وتحدث الشاب بمتعة عن خبز التنور الذي يسميه بـ»الخبز التاريخي» مشيرا أنه «ليس حكرا على الليبيين فقط بل هو موجود في بلاد الشام واليمن إلا أنه معروف كأحد أهم أطعمة أجداد الليبيين».
وأشار أن بلاده «هي الدولة الوحيدة تقريبا التي لا تزال يصنع فيها التنور بطريقته التقليدية بردمه مع جمر الحطب تحت الأرض».
واستطرد: «مع ظهور طرق أخرى في ليبيا تعتمد على دفنه مع الجمر في أوعية من الطين أو مادة الطفلة المستخرجة من باطن الأرض والتي أصبحت مؤخرا تغلف ببرميل من المعدن لتسهيل نقله من مكان لمكان بدل الحفر الثابتة».
ومادة الطفلة تتكون معظم حبيباتها من الرمل أو من الطمي أو الجير أو خليط منهم والمتماسكة بواسطة الرطوبة أو الأملاح أو الطين.
و»ليس في رمضان وحده بل إن هناك عائلات ليبية في أرياف المدن تصنع وتأكل خبز التنور بشكل يومي على مدار السنة ولا تأكل خبزا غيره، إلا أنه في رمضان يجتاح الموائد الليبية كافة» وفق عمران.
وفي معرض حديثه استعرض الشاب فوائد خبز التنور، وهي حسبه «عديدة لأسباب مختلفة منها أنه يحتوي على القمح وقشوره ونخالته والعديد من المعادن والفيتامينات».
إضافة إلى ذلك فخبز التنور حسب صالح عمران «سهل الهضم وخفيف على المعدة ومفيد لمرضي السكري وأصحاب الوزن الزائد».
وإضافة لمحتواه المفيد قال إن «طريقة طهيه ميزة أخرى له، حيث أنه يخبز بالحطب بعيدا عن الفحم الذي يدخل عليه محسنات كيميائية وبعيدا عن أفران الغاز أو الكهرباء».
وبالعودة لسبب انتشار ظاهرة اقتحام الشباب لمجال طهي وبيع خبز التنور قال فتحي مسعود، وهو شاب آخر يعمل في ذات الصنعة على قارعة أحد طرق بنغازي: «إنها فكرة دعائية في المقام الأول».
ورغم ذلك لم يستبعد مسعود أن «الأزمة الاقتصادية في ليبيا أحد أهم الأسباب في إقبال الشباب علي صنع وبيع خبز التنور في الطرقات». وربط بين صنع وبيع الشباب للخبز وبين الأزمة الاقتصادية قائلا إن «تلك الأزمة هي من دفعت الشباب للتفكير في اختراع أساليب دعائية لتحسين بيعهم الذي بطبيعة الحال سيحسن دخلهم ووضعهم الاقتصادي».
وتابع: «الشباب في ليبيا يعانون وضعا اقتصاديا مزريا فالمصارف لا تعطي الموظفين رواتبهم لوجود أزمة مالية كما أن الدولة لم تعد توظف الشباب لاكتفاء المؤسسات الحكومية في ظل اعتماد أصحاب المشاريع الخاصة على عمالة خارجية بدل الشباب الليبي».
وتابع: «ليس فقط في صنع خبزة التنور وبيعها بل إن الشباب اليوم يقومون بأعمال أخرى كانت فقط حكرا على النساء، ناهيك عن أعمال أخرى كانت حكرا على العمالة الوافدة منها البناء والعمل في المطاعم ومعظم الأعمال ذات الرواتب اليومية».
وبعيدا عن ذلك تحدث مسعود عن مراحل أخرى من عمل شباب خبزة التنور أيضا وهي مرحلة «صنع التنور نفسه قبل استعماله في طهي ذلك الخبز». وعن ذلك قال إن «البداية تحتاج لعدة أيام تبدأ بجمع طين خاص أو طفلة مستخرجة من الأرض وتعجن بواسطة الماء والملح في حالة المادة المستخدمة طين أما مادة الطفلة فلا يخلط معها الملح لاحتوائها عليه».
وأضاف: «بعدها تخلط مع التبن وشعر الماعز لتقوية الخلطة ومنحها درجة حرارة عالية عند الاستخدام».
واستطرد بالقول: «تبدأ بعدها مرحلة بناء مجسم على شكل حلقة دائرية بتلك الخلطة على أن تكون بمساحة داخلية يبلغ قطرها مترا واحدا وارتفاع 35 سم تقريبا ويترك في الشمس حتى يجف ويصبح صلبا».
وبيّن مسعود أنه يتحدث عن التنور الحديث فقط موضحا أن «التنور القديم يحفر تحت الأرض ولا يشترط فيه استخدام ذات المكونات» مؤكدا أن النموذجين القديم والحديث يحتاجان إلى خبرة.
وأردف مسعود الذي كان يتحدث وهو يضع العجين داخل التنور الملتهب: «صناعة خبز التنور أمر شاق وخطر بسبب الإصابات الناتجة عن إدخال اليد داخل التنور الملتهب بجمر الحطب».
إلا انه أكد في الوقت ذاته أن «الأمر مربح في شهر رمضان ويضيف دخلا جيدا لمواجهة مصاريف الشهر الكريم وعيد الفطر».