رأي

سيناريو من أربعة لتصاعد التوتّرات الروسيّة ـ الأوكرانيّة

كتب سركيس نعوم في “النهار”: التوتّر المُتصاعد بين روسيا ـ أوكرانيا وروسيا ـ حلف شمال الأطلسي وروسيا ـ الولايات المتحدة وروسيا ـ الاتحاد الأوروبي، أثار خوف الدول التي كانت سابقاً جزءاً من الاتحاد السوفياتي وإن بغير إرادة مواطنيها باستثناء الذين منهم من أصل روسي، ولا سيّما بعدما بدأ الرئيس فلاديمير بوتين يُطالب بلهجة تهديديّة واضحة بل بـ”إنذار” فعلي للغربَيْن الأميركي والأوروبي بسحب الأسلحة المُتطوّرة التي زوّداها بها للدفاع عن نفسها ضدّ أيّ اعتداء روسي أو محاولة استعادة السيطرة عليها.
وكانت أوكرانيا التي غادرت دائرة النفوذ الروسي (السوفياتي سابقاً) بعد ثورة شعبيّة أطاحت رئيسها المُوالي لموسكو، والتي انتهجت خطّاً سياسيّاً موالياً للغرب وساعياً إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، هي الوسيلة التي اعتمدها بوتين للضغط على الغرب المتنوِّع كي يبتعد عن حدود بلاده وكي يستعيد الأسلحة المتنوِّعة وبعضها صاروخيّ التي زوَّد بها أكثر من دولة في شرق أوروبا. اعتبر البعض موقف بوتين هذا مُغامراً إلى حدّ ما، إذ كيف يمكن أن يفرض على المجتمع الدولي ولا سيّما الغربي إعادة “مستعمرات” الاتحاد السوفياتي السابقة في أوروبا إلى روسيا القيصر الجديد بوتين. علماً بأنّه يعرف أو يجب أن يعرف أنّ ذلك يُمكن أن يتسبَّب بحربٍ عالميّة جديدة لا ترغب فيها شعوب العالم ودوله كلّها. ربّما لهذا السبب يتساءل كثيرون من قادة الدول الكبرى والوسطى والصغرى في العالم عمّا إن كان “قيصر” روسيا يبلف لتحقيق مكاسب تساعده في تعزيز وضعه بين كبار العالم بعد ظهور بوادر تراجع الزعامة الأحاديّة الأميركيّة ونزوع هؤلاء الكبار إلى التفاهم على قيادة جماعيّة للعالم لا تُلغي التفاوت في القوّة والتفاهم بين أعضائها. لكنّها تجعلهم دائماً على استعداد للتشاور حول أيّ مستجدّات صعبة، وللاتفاق على موقف واحد أو على الأقل على منع التدهور وتهديد السلم العالمي.
كيف سيتطوّر النزاع الروسي – الأوكراني المُتصاعد بحدّة ومشاركة الولايات المتّحدة فيه والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟ الجواب الذي يُعطيه عن هذا السؤال باحثٌ جديّ في مركز أبحاث أميركي معروف بقدرته على الوصول إلى مصادر المعلومات، يُفيد أنّ هناك سيناريوات أربعة محتملة لتطوّر النزاع المذكور أعلاه. عنوان السيناريو الأوّل هو: احتفاظ روسيا بالتوتّرات مع امتناعها عن القيام بأّيّ تدخّل عسكري، واستمرارها في التفاوض مع الجهات المعنيّة بهذا النزاع.
أمّا التفاصيل التي يستند إليها الباحث فهي أنّ مطالبات روسيا بضمانات أمنيّة واستمرار الخلافات والجدل العنفيّ أحياناً حول اتفاقات مينسك ستُبقي التوتّرات في شرق أوكرانيا مُتصاعدة. وستحتفظ موسكو بقوّاتها وتجهيزاتها العسكريّة على حدود جارتها المذكورة. لكنّ غزواً روسيّاً أو اجتياحاً لها لن يُنفّذ. ولا بُدّ أن يدفع التهديد العسكري الموثوق والفاعل لأوكرانيا الولايات المتّحدة إلى تهدئة أو إبطاء نفوذها داخل العاصمة كييف. لكنّه لن يمنع روسيا من الاستمرار في حشد قوّاتها على الحدود الأوكرانية بُغية الضغط على الغرب لتقديم تنازلات في مفاوضاتٍ مُرتقبة معه. لكنّ حلف شمال الأطلسي لن يتنصَّل فيها من احتمال ضمّ أوكرانيا إلى صفوفه هو الذي وعدها قبل سنوات بذلك، ولكن من دون أن يُنفّذ وعده. في المقابل تستمرّ موسكو في حشد قوّاتها ونشر أسلحتها المتطوّرة على الحدود مع أوكرانيا. وهنا يُمكن أن تُقنع المناقشات في أثناء التفاوض حول الحدّ من نشر أسلحة مُتطوّرة لحلف شمال الأطلسي على حدود روسيا الرئيس بوتين بالعدول عن تنفيذ دخول عسكري مهمّ عام 2022 إلى أوكرانيا. ربّما يُرافق ذلك إعلام الغرب على نحو غير رسمي موسكو أنّ أوكرانيا لا تزال بعيدة من عضوية “الأطلسي”. ومن شأن ذلك تأمين دافع لخروج روسيا من الموقف الصعب والتهديدي الذي وضعت نفسها فيه ولحفظ ماء وجهها على الصعيد الدولي بعد التهديدات الكبيرة التي أطلقتها والحشود العسكريّة الكبيرة أيضاً التي نشرتها على حدودها مع أوكرانيا، فضلاً عن المناورات العسكريّة والتدريبات التي أجرتها في المنطقة والاستفزازات التي قامت بها للغربَيْن الأميركي والأوروبي.
في أيّ حال، يُفيد الباحث في المركز الأميركي نفسه، ستستمر موسكو في الإلحاح على أوكرانيا كي تُطبّق بروتوكول كييف وفقاً لتفسيرها هي له معتبرةً ذلك شرطاً مُطلقاً لتجنّب عودة الصراع الساخن إلى منطقة الدونباس في أوكرانيا الشرقيّة التي يسيطر عليها مواطنوها المن أصل روسي. وفي أثناء إعادة القادة الغربيّين التأكيد لروسيا أنّ اتفاق مينسك يجب أن يُطبّق بالقوّة، سيتصرّف المعارضون والانفصاليّون الأوكرانيّون بتشدُّد الأمر الذي يجعل من أيّ تغيير حقيقي صعباً. أمّا الرئيس الأوكراني زيلنسكي وإدارته فربّما ينخرطان في مبادرات تجميليّة تتعلَّق بتنفيذ اتفاق مينسك لكنّها لا تُرسي أُسساً جديّة وعميقة لحلّ النزاع. إلّا أنّ الفشل في تحقيق أيّ تقدُّم فعليّ على هذا الصعيد سيُشجّع موسكو على السماح للانفصاليّين بخرق وقف النار بوتيرة مرتفعة، وسيدفعها إلى الاحتفاظ بفرقٍ عسكريّة وأسلحتها المتنوّعة قرب الحدود مع أوكرانيا لإبقاء قدرتها على التدخُّل السريع إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

ما هو السيناريو الثاني لارتفاع التوتّرات الروسيّة – الأوكرانيّة؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى