سيناريو رئاسة مجلس النواب بعد انتخابات 2005 يتكرّر من جديد
كتب كمال ذبيان في “الديار”:
ما يشبه الأمس باليوم، والتاريخ يعيد نفسه في كثير من المراحل، وان انتخابات رئاسة مجلس النواب لهذه الدورة، تقارب ما جرى بعد انتخابات 2005، اثر الانسحاب السوري من لبنان في 26 نيسان من ذلك العام، حيث فازت قوى 14 آذار، او «ثورة الارز»، تبعا لتسميات «الثورات الملونة» التي اطلقها الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن، لمشروعه «للشرق الاوسط الكبير»، وفي مضمونه تعميم «الفوضى الخلاقة».
فقوى 14 آذار، فازت بالاكثرية النيابية يومها، والتي امّنها لها تحالفها مع «حركة امل» وحزب الله، وسمي بالرباعي، لانه كان في صميمه «تيار المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، فطرح «ثوار الارز»، رفض انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، لانه يمثل حقبة النظام السوري في لبنان، ويجب أن يكون رئيس المجلس النيابي من نواب 14 آذار الشيعة، وكان من ضمنهم ثلاثة نواب هم: باسم السبع، غازي يوسف وعقاب صقر الذي قدم ترشيحه، لكن عقلانية وليد جنبلاط منعت «الصقور» في «ثورة الارز» من ان يقدموا على هذه المغامرة، في بلد منقسم على نفسه عمودياً، فتم التراجع عن هذه الخطوة، وصوّت عدد لا بأس به من نواب 14 آذار ضد بري بورقة بيضاء، وظهرت اوراق باسماء السبع ويوسف وصقر.
كان الصراع الداخلي في حينه، على من يملك الاكثرية كما هو الوضع اليوم، وباصوات من فازت 14 آذار بالأكثرية، التي حاولت قوى 8 آذار تعطيل دورها بجذب نواب من الاكثرية الى الاقلية النيابية، التي كان انضم اليها «التيار الوطني الحر» بعد توقيع «ورقة التفاهم» مع حزب الله، الذي شعر مع «حركة امل» بان وجودهما في الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة لا جدوى منها، ما دامت الاكثرية او الثلثان مع 14 آذار في الحكومة، التي كانت تتخذ قرارات متفردة، مما دفع بالثنائي «امل» وحزب الله الى الاستقالة من الحكومة، وتضامن معهما رئيس الجمهورية العماد اميل لحود الذي حاول فريق 14 آذار عزله، اضافة الى قيادة حملة ضده للاستقالة تحت شعار «فل».
فالمشهد نفسه، تحاول «القوات اللبنانية» مع حزب «الكتائب» وبعض النواب المستقلين الذين يقاربون 36 نائباً، ان يكرروا «السيناريو» ذاته للعام 2005، باقصاء بري عن رئاسة مجلس النواب، لكن هذه المرة ليس لديهم مرشح شيعي، اذ ان النواب الشيعة الـ 27 هم من حصة «امل» وحزب الله، فيتعذر عليهم طرح البديل، وهو ما اربك النواب الذين سموا انفسهم «تغييريين»، لجهة محاولة «القوات» استمالتهم اليها، واقامة تحالف «السياديون» و»التغييريون»، حيث تكشف مصادر نيابية مطلعة على توزع الكتل النيابية سياسياً، انه لا يمكن لأي منها ان يكوّن اكثرية، وان النواب «التغييريين» قد يشكلون «بيضة القبان» اذا توحدوا، لكن هم اسرى مواقفهم العالية السقف، التي ستنخفض مع الوقت، وقد بدأ بعضهم يقرأ بموضوعية التركيبة اللبنانية الطائفية للنظام، التي قامت على الميثاق والعُرف، والتغيير الحقيقي والجذري يبدأ من الغاء الطائفية السياسية، وهذا ما طرحه بعض النواب «التغييريين»، وهو مؤشر ايجابي، وكان يجب العمل على ذلك منذ ما بعد اتفاق الطائف الذي نص على تشكيل هيئة وطنية لالغاء الطائفية.
ويحاول معارضو عودة بري الى رئاسة مجلس النواب، ان تكون اصواته قليلة، وهذا ما تسعى اليه «القوات» ، وتعمل على استمالة «التغييريين» اليها، وقد احرجتهم، وهم الذين يقدمون انفسهم بانهم ضد قوى السلطة كلها (كلن يعني كلن)، حيث تجري الاتصالات مع «التيار الوطني الحر» لتبديل موقفه من عودة بري، وهذه مهمة يقوم بها حزب الله في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ودراسة شروط كل منهما، لا سيما تلك التي يطرحها رئيس التيار جبران باسيل، ويربطها بمسائل خارج اطار صلاحيات مجلس النواب، اذ تشير المصادر، الى ان بري سيعود الى رئاسة المجلس، لكنه يسعى الى مسألتين: ان يفوز من الدورة الاولى وبارقام مرتفعة، ويؤمن الميثاقية لانتخابه مسيحياً وسنياً، وهذا ما يأمل ان يحصل عليه، تقول المصادر التي تعترف بأن شيئاً ما تغير، ولا يمكن انكاره، لكن لا يمكن قبول المس بالاعراف، ومن يطالب بالغاء الطائفية، فان بري لا يمانع ذلك، وتفتح مواقع السلطات لكل الطوائف والمذاهب، وليكن هذا البند الاصلاحي هو اول اعمال مجلس النواب الجديد، والذي يجب ان يستكمل بقانون انتخاب خارج القيد الطائفي، والغاء طائفية الوظيفة، وتحقيق اللامركزية الادارية.
الانظار شاخصة الى النواب «التغييريين»، وان كان عددهم قليلاً، فعليهم ان يبدأوا عملهم التشريعي بالاصلاح، ويضعوا موضع التنفيذ اتفاق الطائف كخارطة طريق لهم، وعدم انتقاء بنود منه، كما حصل في زمن الوجود السوري، الذي اوكل اليه وقف الحرب الاهلية واعادة الوحدة بين اللبنانيين، وتطبيق اتفاق الطائف، لكنه ساير الطبقة السياسية، وحمى مصالحها، وان نواب «التغيير» عليهم مهمة الاصلاح السياسي ومعه الاقتصادي وبناء مؤسسات الدولة.