سيناريو الاحتجاج على حرب فيتنام عام 1970… يتكرّر اليوم!

كتب علي الفيروز, في “الراي” :
تكرّر سيناريو الاحتجاج على حرب فيتنام الذي حدث في مايو عام 1970 حينما أضرب طلاب الجامعات الأميركية مثل جامعة ييل وجامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، ثم أغلقت بعدها أكثر من 450 مركزاً تعليمياً من الجامعات والكليات والمدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية بسبب الإضراب الجماعي للطلاب والذي شارك فيها أكثر من 4 ملايين طالب احتجاجاً على مشاركة الولايات المتحدة في حرب فيتنام، وكان ذلك على مدى سنوات عديدة.
ففي أعقاب الحرب الأميركية على كمبوديا قتل الحرس الوطني طلاباً من جامعة كينت في مدينة كينت في ولاية أوهايو عام 1970، وقتلت شرطة مدينة جاكسون وقوات الدولة طالباً في ولاية ميسيسبي في جامعة جاكسون والبعض من المارة من المدرسة الثانوية في المدينة نفسها، مما أدى الى عمل إضراب جماعي يدعو إلى إنهاء الحرب في فيتنام في الخامس عشر من كل شهر حتى تنتهي الحرب الدائرة إلا أن «مذبحة كينت» هي الواقعة التي أوقدت الشعلة للطلاب جميعاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة لتبني تكتيكاً جديداً للإضراب.
ففي 8 مايو 1970 أي بعد عشرة أيام من إعلان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون غزو كمبوديا تجمع نحو 100.000 محتج في ولاية واشنطن و150.000 محتج في ولاية سان فرانسيسكو، والباقي أخذ بالتوسع في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وذلك لتوجيه رسالة للتعبير عن غضب الطلاب، ومن الغضب تم اتلاف 30 مبنى لقوات تدريب الضباط للحزب الوطني ووقوع اشتباكات عنيفة بين الطلاب المحتجين والشرطة في 26 مدرسة، إضافة إلى تعبئة وحدات الحرس الوطني في 21 جامعة أميركية في ما يقارب 16 ولاية رغم أن تلك الاحتجاجات الطلابية كانت ما بين السلمية والمتوترة، ولعلنا جميعاً نتذكر اللافتة الطلابية التي علقت بنافذة جامعة نيويورك وكان نصها: «إنهم لا يستطيعون قتلنا جميعاً» وهي تدل على الشجاعة والتضحية من أجل وقف نزيف الحرب.
«ومن فيتنام على غزة» تلك هي لمحة احتجاجية متكررة مضمونها متشابه وأبطالها طلاب الجامعات الأميركية التي وقفت لتعيد سيناريو الاحتجاجات الطلابية من جديد والتي اجتاحت العديد من الجامعات تنديداً بالحرب الدائرة في غزة إلى أذهاننا موجة المظاهرات الطلابية التي شهدتها الولايات المتحدة يوماً بعد يوم خلال سبعينات القرن الماضي وما تلتها من سنوات عاصفة، فمثلما اعتصم طلاب الجامعات الأميركية داخل الحرم الجامعي في سبعينات القرن ثم خرجوا إلى الشوارع رافعين شعارات الاحتجاج والغضب لحرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والمطالبات الأخرى، وكذلك الحال لحركة الحقوق المدنية التي ساهمت بإنهاء التمييز ضد الأميركيين السود، ما كان لتلك الاحتجاجات الجماعية تأثير عميق على المجتمع الأميركي والمشهد السياسي الأميركي عامة، فكانت نقطة حاسمة في مسار الكفاح والنضال من أجل نجاح الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية، فنلاحظ هنا كيف كان الطلاب الجامعيون يُشكّلون «قادة التغيير».
فبعد أسابيع من هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر وحتى نوفمبر 2023 تجمع مئات الطلاب في وسط الحرم الجماعي احتجاجاً على قرار جامعة كولومبيا بتعليق مجموعتي طلاب من أجل العدالة في فلسطين والصوت اليهودي من أجل السلام، وعلى الرغم من التحذيرات الجامعية التي تضمنت خطاباً تهديدياً شديد اللهجة إلا أن المجموعتين النشطتين استمرتا بإقامة الفعاليات الطلابية في الحرم الجامعي، فبعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاع حرب غزة لم تتوقف الاحتجاجات المؤيدة للشعب الفلسطيني بل تواصلت لنيل حقوقه المشروعة في الجامعة ذاتها في نيويورك، إلى أن قامت شرطة نيويورك بإخلاء المحتجين من الطلاب والأساتذة الذين أقاموا معسكراً موقتاً في الساحات والحدائق الجامعية، واشتدت الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب في الولايات المتحدة واتسع نطاقها مع إقامة عدد كبير من المخيمات في جامعات أخرى. وبصوت واحد أصدر الطلاب في الجامعات الأميركية دعوات لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، والمطالبة بسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الاسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، والمطالبات بالعفو الفوري عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرضوا للضرب من رجال الشرطة، وطبقت عليهم الإجراءات التأديبية أو الطرد من الجامعات فقط لأنهم طالبوا بوقف الحرب!
بينما أنكر المنظمون مسؤوليتهم عن نشوب أي عنف ضد المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل غير أن بعض الطلاب اليهود ادّعوا كذباً بأنهم يشعرون بعدم الأمان في الحرم الجامعي فاتهموا الآخرين من الزملاء بأنهم يثيرون الذعر والقلق من الهتافات المسالمة التي يقولون عنها زوراً إنها معادية للسامية! فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن رداً على الانتقاد الذي طاله من المتظاهرين لتزويده إسرائيل بالتمويل والأسلحة، فإنه يستنكر هذا العمل من الاحتجاجات على أنه معاد للسامية! وإن هؤلاء الطلاب المتظاهرين لا يفهمون ما يجري مع الفلسطينيين، كما وصف الرئيس السابق دونالد ترامب، الاحتجاجات الحالية في الحرم الجامعي لكل الولايات المتحدة الأميركية بأنها فوضوية!!
وفي ضوء ما سبق، وما نريد قوله إن الاحتجاجات الطلابية التي عمّت معظم الجامعات الأميركية في الولايات المتحدة الأميركية هي درس عظيم للتاريخ ابتداء من فيتنام 1970 وحتى غزة 2024 تلك هي رسالة للعالم أجمع تفيد بكل ما فيها من معان أن الطلاب اليوم هم قادة التغيير… مهما دارت الأيام بيننا… ولكل حادث حديث،،،