سلام: كيف يمكن أن نعالج مشاكلنا؟

أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الليلة السابعة من محرم لهذا العام في مقره برعاية وحضور نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب وفي حضور شخصيات قضائية وعسكرية وامنية وتربوية واجتماعية وعلماء دين ومواطنين.
وتلا المقرئ احمد المقداد ايات من الذكر الحكيم ، والقى رئيس تحرير جريدة اللواء صلاح سلام كلمة بعنوان “عاشوراء ثورة ضد الظلم والفساد”، قال فيها: “إسمحوا لي أولاً أن أتوجه بعميق الشكر والتقدير إلى العلاّمة الجليل الشيخ علي الخطيب على دعوته الكريمة للوقوف بينكم على المنبر الحسيني، الذي يُعيدنا إلى دنيا الحق والإيمان والعدالة، في زمن تكاد تتلاشى فيه قيم الإيمان والأخلاق والوفاء”. واضاف: “عشنا وسط العائلة مع العم علي وإبنه حسن، ومع إبن الأخت حسين، ومع بنات الأخت فاطمة وبنت خالتها زينب والعمة أم كلثوم. وإعتدنا أن نزور مقام السيدة زينب في دمشق رحمها الله وأرضاها، لنوفي نذور العائلة في الملمات والأفراح. وأنا مثلاً نذرتني الحجة والدتي مرتين: الأولى عندما نجحت بالشهادة الابتدائية ، والثانية بمناسبة نجاحي بشهادة البريفيه بعد أربع سنوات. وبقيت عادة النذور ترافقنا حتى يومنا هذا”.
وتابع: “أحبائي ، رأيت أن أستهل كلمتي بذكريات وصور عزيزة على قلبي لأقول لكم أن الحسين وأهل البيت هم مسلمون، لا سنّة ولا شيعة، ومكانتهم وتقديرهم جزء لا يتجزأ من الإيمان الحقيقي والنقي برسالة خاتم الأنبياء الرسول الأعظم. وأسماؤهم وسيرتهم العطرة موضوع رجاء وتبارك في حياتنا اليومية، بعيداً عن كل الترهات والفبركات الأخرى، لأن الإسلام واحد، والقرآن واحد، والقبلة واحدة، وسيبقى المسلمون جسداً واحداً ولو كره الكارهون. وإستطراداً أقول أن ثورة الحسين لا تخص الشيعة وحدهم، ولا تعني المسلمين وحدهم، بل هي ثورة إنسانية شاملة ضد الظلم والفساد، وإنتصار للناس المظلومين والمضطهدين في لقمة عيشهم، والقلقين على مصيرهم، والخائفين على مستقبل أبنائهم”.
واشار سلام الى انه “في كل دول العالم تتضافر الجهود، وتُطوى صفحات الخلافات في الأزمات والملمات، إلا في لبنان، حيث تتفاقم الصراعات يوماً بعد يوم، وتزداد حالة الضياع والإحباط، وتتكرس الإنقسامات الطائفية والمناطقية، وتكثر الخطابات الشعبوية والمزايدات العصبوية، الأمر الذي يزيد الأزمات تعقيداً، و يجعل الحلول أكثر صعوبة”.
وقال: “لم يحصل في تاريخ لبنان السياسي مثل هذه المجافاة والقطيعة بين القيادات السياسية والحزبية، حيث لا يتكلم أحد مع الآخر، ولا يتشاور أحد مع الآخر، ولا وسطاء من أهل الفكر والحكمة يحاولون تقريب وجهات النظر، وتدوير الزوايا، وإيجاد منافذ لهذا الإنسداد السياسي الخانق في أفق الأزمة.”
وتساءل: “كيف يمكن أن نُعالج مشاكلنا، ونجد الحلول لخلافاتنا إذا لم نجلس الى طاولة الحوار، ونطرح كل الملفات والإشكالات، ونناقش كل المخاوف والهواجس، ونسعى إلى تفاهمات وتوافقات، تُنقذ البلد من الشلل والإنهيار، وتُعيد العافية إلى مفاصل الدولة، وتزرع الأمل والطمأنينة في القلوب والنفوس، ونستعيد أيام الإستقرار والإزدهار. لا يتوهمّن أحد أن يكون أكبر من الوطن. فكلنا مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وقدرنا أن نعيش معا”ً.
واكد “ان التعددية السياسية والثقافية والدينية هي من المميزات المهمة التي تفرد بها وطننا لبنان، وشكلت نموذجاً عالمياً رائداً للحوار الإنساني بين الأديان والحضارات، وكشفت عنصرية الدولة الصهيونية التي تحاول إقامة دولة يهودية، على أنقاض الوجود الإسلامي والمسيحي في فلسطين”، وقال: “إن هذه التعددية ساهمت في ترسيخ النظام الديموقراطي في لبنان، ولكن الممارسات السياسية الخاطئة جعلته أسير توازنات ومعادلات دقيقة، وسريع التأثر بالرياح الخارجية، وضعيف المناعة أمام الخلافات الداخلية، التي سرعان ما تتفاقم عند الخروج عن النهج الوطني، وتعمد إهمال الدستور، أو إستقواء فريق على بقية الشركاء في الوطن”.
اضاف: “لقد دفع اللبنانيون أثماناً غالية من الدماء والأرواح، ومن الخراب والدمار، في حروب فتنوية حركتها إيدي خارجية، إستغلت الخلل في المعادلة الداخلية، على نحو ما حصل في الحرب التي إندلعت شرارتها في نيسان ١٩٧٥، وأخمد نيرانها إتفاق الطائف في تشرين ١٩٨٩”.
واعتبر “ان إتفاق الطائف، آيها الأخوة، ليس مجرد نصوص موزعة على بنود، وغنية بالمصطلحات. إنه خريطة طريق لقيام الدولة المدنية القادرة على إرساء قواعد العدالة والمساواة بين اللبنانيين، وإعتماد مبدأ الكفاءة والنزاهة في تعزيز قدرات إدارات الدولة وتطوير مهارات العاملين في دوائرها. وهو جسر عبور من المستنقع الطائفي إلى رحاب المواطنة الملتزمة بالولاء للوطن أولاً وأخيراً، بعيداً عن معايير التطرف والتعصب”، وقال: “رغم الإنتقادات المعروفة للتطبيق الإستنسابي لبعض بنود إتفاق الطائف، فقد إستعاد اللبنانيون وحدتهم الداخلية في ظل الميثاق الوطني الجديد، وكانت الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى في يد المقاومة التي دحرت الإحتلال الصهيوني من الجنوب والبقاع، كما دعمت بطولات التصدي للعدوان الإسرائيلي الغادر في حرب تموز”.
واكد سلام “ان وحدة المسلمين في لبنان هي المدماك الأساس في وحدة اللبنانيين، ومصدر قوة وإستقرار في المجتمع اللبناني. ولعل موجة الإرتياح والترحيب بالتقارب السعودي ــ الإيراني، التي سادت لبنان، وعمّت مختلف بلدان المنطقة، تعبر عن مدى تعلق المسلمين بالعروة الوثقى بين شعوبهم، ونبذهم لكل أسباب الخلاف والفُرقة. ولا بد من القول أن هذا التقارب بين قطبي الإسلام قد أرعب أعداء الأمة، وقلب رهانات العدو الإسرائيلي رأساً على عقب، وعزز مكانة المسلمين في النظام العالمي”.
ورأى “ان ما نراه من إعتداءات سافرة على المصحف الشريف في السويد والدانمارك وغيرهما من البلدان الأوروبية، يدلُّ على التعصب الأعمى الذي يضرب جماعات المتطرفين والملحدين والحاقدين على المسلمين والدين الحنيف، ويكشف تواطؤ حكوماتهم وأدعياء الديموقراطية الساكتين عن هذه الإستفزازات الهوجاء، والتي لن تنال من تسامح الإسلام وإيمان المسلمين: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”.
وختم: “في ذكرى عاشوراء، دماء الحسين الطاهرة تنادينا للحفاظ على ديننا، والتمسك بوحدتنا، والدفاع عن الأرض والعرض، ورفع رايات الحق والعدل والأخلاق، والتصدي لمواقع الظلم والقهر والفساد مهما بلغت التضحيات. جعلنا الله وأياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والسلام على الحسين يوم ولد ويوم إستشهد ويوم يُبعث حيّاً، واخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين”.
وفي الختام تلا الشيخ حسن بزي مجلس عزاء حسيني.