سلامه لبري: ساعد أركان المنظومة كي يعودوا إلى رشدهم وكن القدوة والمثال
وجه رئيس “لقاء الهوية والسيادة” الوزير السابق يوسف سلامه كتابا مفتوحا إلى رئيس مجلس مجلس النواب نبيه بري هذا نصه: “استمعت أمس إلى دولتك عسى أنّني ألتقطُ إشارة تُحيي فيَّ الأمل بمستقبل واعد لوطن يذوب في قلوب ناسه وأمام أعين التاريخ. خاب أملي وأدركت أنّ عميد المنظومة المتحكّمة في لبنان، يراهن في دفاعه عن الوطن ومعالجة قضاياه الشائكة، وفي مداواة آلام المشرق المعذّب، بالأسلوب ذاته الذي يراهن به على عودة الإمام المغيّب منذ ستٍّ وأربعين سنة ويوم، فشدّتني الذاكرة إلى حقبة نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث كانت تتنافس في المشرق ثلاثة مشاريع: مشروع ساعٍ إلى قيام وطن عربي بأكثرية مسلمة يرأسه ملك هاشمي، مشروع ساعٍ إلى تثبيت كيان يهودي في المشرق، ومشروع ثالث، اسمه لبنان، دولته مدنية، رسالته حاضنة للطوائف الابراهيميّة الثلاث: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام”.
وتابع: “رأيت نفسي ملزمًا بأن أذكّركم بأنّ لبنان الرسالة تكرّس أولاً، ثمّ بدأت تبان ملامح أربعة أًوطان في المنطقة هي: فلسطين، الأردن، سوريا والعراق، ومن بعدها، أواخر العقد الخامس من القرن العشرين، نشأت دولة إسرائيل اليهودية التي تتناقض في جوهرها العنصري مع فكرة العروبة ومع لبنان الرسالة، فدخل المشرق معها، ومع ذاته، في صراع لا أفق له وقد لا يرى حلولًا لأزماته المستمرّة إلا بالعودة إلى المشروع اللبناني الأساسي. مرّ لبنان الرسالة عبر تاريخه الحديث بمراحل متنوّعة أصابت توازنه الزئبقي وضربت استقراره، وتميّزت بخلل ميثاقي واضح ساهمت بحصوله طوائف استفادت من ظروف خارجية سمحت لها بالهيمنة على القرار الوطني أو باختراقه على حساب رسالة لبنان القائمة أصلاً على احترام الحرية الذاتية والمجتمعية وعلى العدالة والمساواة بين كافّة أبنائه ومكوّناته ومؤسساتهم، وفي هذا الاطار أشير إلى أنّ جميع الطوائف الكبرى في لبنان حاولت أن تختزل الوطن بصيغته وجوهر وجوده، فساهمت بالتالي بزعزعة استقراره”.
واضاف: “يمرّ لبنان اليوم بأدق مرحلة من عمر لبنان الكبير، تتميز، بخلل واضح أصاب توازن المؤسسات الوطنية، وبهيمنة على القرار والمقدّرات، جسّدته قوىً شيعية هذه المرة، التزمت بمشروع إقليمي مدعوم من خارج وازن، سمح لها بأن تشعر بفائض من القوة على باقي الطوائف المسيحية والإسلامية التي تعيش إحباطًا تسبّب به عاملان: غياب مشروع إنقاذي يداوي ما يعاني منه لبنان من أسباب موجبة حالت دون قيام الدولة الواعدة فيه من جهة، وغربة قاسية بين القاعدة والقيادة عند البعض منها، من جهة أخرى”.
وقال: “أما فيما خصّ دعوتك إلى الحوار وإصرارك عليه كممرّ إلزامي للعبور إلى انتخابات رئاسية يفرضها الدستور، فأجد نفسي ملزمًا بأن أذكّرك بأنّ لقاء الهويّة والسيادة، الذي لي شرف رئاسته، سبق وتقدّم منكم ومن معظم الكتل النيابية، بوثيقة سياسية تحمل مشروعًا إنقاذيًّا متكاملاً، وثيقة نالت رضى مرجعيتين روحيتين لطائفتين أساسيتين من طوائف لبنان، لم تعترض أنت على فاصلة فيها، بل ادّعيت في لقائنا معك كما ادّعى غيرك من الكتل الشريكة، أنها مشروعكم المفضّل، ومع هذا، رفضت المشاركة الجدية عبر ممثّل عنك، في حلقة حوارية حولها اشترك فيها كثيرون، ورفضت كما رفض الآخرون، الالتزام برأي واضح حول مضمونها، وكأنكم يا دولة الرئيس تحاولون مع سائر فرقاء المنظومة، تأجيل البت بكل الاستحقاقات، بحثًا عن انتصار يُثبّت ركائز سلطتكم إلى ما لا نهاية، خوفًا من محاسبة تطال تجاوزات ارتُكِبت على مدى عقود خمسة من الزمن، وأدّت إلى انهيار النظام المصرفي، وتفكك الدولة، وسرقة أموال الناس وجنى عمرهم، علمًا أنّ العمل الجدّي لإيجاد الحلول العادلة يُوَفّر عليكم جميعًا وعلى المستقبل محاسبة الماضي ومحاكمته. أما في مجال دفاعكم عن قضية فلسطين فأرى من واجبي أن ألفت انتباهكم أنّ من يسعى إلى انتصار وهمي ينسى أو يتناسى أنّ هزيمة لبنان الرسالة تعني انتصارًا لإسرائيل الكبرى، وكأني بالتاريخ يعود بنا إلى بداياته، يوم نشأت المسيحية على أرض فلسطين منتصرة بسلاح المحبة والحرية على الموت بالموت، وعلى الحياة بالحياة، معتمدة على العمل الرسولي، بمواجهة عنصرية تؤمن بثقافة المادة والقتل والقوة، انتصرت عليها بقوة الكلمة. لقد ثَبت أنّ فلسطين لن تنتصر إلا بثقافة الحياة المشتركة القائمة على المحبة واحترام الآخر، الثقافة نفسها التي احتضنت ولادة دولة لبنان الكبير، فهل يُدرك ذلك المسلمون العرب والفلسطينيون تحديدا؟على كل حال، إنّ إسرائيل تُدرك ذلك حتمًا، ولهذا السبب، استفادت من بعض اللبنانيين والعرب الذين حاولوا اغتيال الصيغة اللبنانية إشباعًا لغرائز دونيّة، وقد نجحوا بإصابتها إصابات مباشرة، فاستثمرت فيهم على مدى العقود الخمسة الأخيرة، آسف على إزعاجكم برسالتي هذه، لكنني أراني مضطرًا كأي لبناني يسعى لانتشال بلده من الجحيم الذي يعيش فيه أن أصارحكم بما يجول في خاطري من معطيات، كونك الأول بين المؤتمنين اليوم على مستقبل وطني، فساعد أركان المنظومة كي يعودوا إلى رشدهم وكن القدوة والمثال، ولا تدع المتربصون بلبنان شرًّا أن ينتصروا عليه”.
وختم سلامه: “كلي أمل أن ترى بالعين المجردة وبالبصيرة الثاقبة، واقع لبنان والمشرق، وتنزل من برجك العالي إلى أرض الواقع قبل أن ينهار بك البرج الذي أنت فيه، ومعك يسقط لبنان. إنها فرصتكم الأخيرة، فاجعلها ممرًا آمنًا لغد أفضل قبل فوات الاوان، شكرًا لإصغائك والحياة للبنان”.