سفارات لبنان: الإقفال… أو تخفيض المخصّصات الخيالية؟
اشارت “اساس ميديا” الى ان موجة الانهيار تجاوزت كلّ الخطوط الحمر. وآخر نماذج الكارثة تحوُّل الطواقم الدبلوماسية اللبنانية إلى “صناديق” لجمع التبرّعات الماليّة من المغتربين ورجال الأعمال لتوفير مقوّمات الاستمرار لعشرات البعثات الدبلوماسية في الخارج.
وبحسب ما لفتت ملاك عقيل في مقال نشرته في “اساس ميديا” فان هذا الإجراء “الطارئ” كان يمكن أن يُشكّل خطوة مسؤولة لو اقترن بشيء من السرّيّة تحفظ لسفارات لبنان في الخارج ماء وجهها وتَزامَن مع إغلاق سفارات لا جدوى منها. لكنّ القرار بدا أقرب إلى “الشحاذة”، وقد عكس مدى الاهتراء الذي اجتاح كيان الدولة ومؤسّساتها.
وفي معلومات “أساس” أنّ وزارة الخارجية أرسلت قبل أيام إلى سفراء لبنان في الخارج تعميماً يتحدّث عن اشتداد الأزمة الماليّة، ويطلب المزيد من التقشّف في المصاريف وإعداد دراسة للحاجات، ويدعو إلى التواصل مع المقتدرين من أبناء الجاليات اللبنانية في الخارج للحصول على مساهمات ماليّة من أجل تغطية كلّ النفقات التشغيلية (بدل إيجارات، صيانة، اشتراكات كهرباء، مياه، نفقات إدارية…)، من دون أن تشمل الرواتب.
وفق المعلومات، لم يحوّل مصرف لبنان الأموال المطلوبة خلال عام 2021 إلا مرّة أو مرّتين وإلى بعض السفارات فقط، وذلك تحت الضغط والمراجعة
كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة توقّف في كانون الأول الفائت عن تحويل الدولارات إلى أفراد البعثات الدبلوماسية على السعر الرسمي، أي 1500 ليرة، الأمر الذي أثار زوبعة لم تنتهِ. وهذا يعني أنّ السفارة اللبنانية في الخارج، التي كانت مثلاً تدفع 70 ألف دولار بدل إيجار المبنى سنويّاً، سيصلها من حاكم مصرف لبنان خمسة أو عشرة آلاف دولار وفق منصّة صيرفة.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ مصرف لبنان تأخّر خلال أشهر تشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول 2021 عن تحويل الأموال إلى البعثات في الخارج، ولم يُفرج عن هذه النفقات إلا تحت ضغط المراجعات. وحتّى الآن لم يقبض دبلوماسيّو لبنان في الخارج رواتبهم عن شهر كانون الثاني.
وبحسب كاتبة المقال فقد ترافق ذلك مع مناخات تشي بأنّ التعيينات الدبلوماسية صارت خلف ظهر الجميع. وكشفت أوساط رئاسة الحكومة لـ”أساس” أنّ “التعيينات الدبلوماسية ليست ضمن أولويّات الحكومة، وحتى الآن لا مؤشّرات إلى إدراجها على جدول الأعمال”. فيما ضغط رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب لإقرارها. وقد بات بحكم المؤكّد أنّ “تقطيعها” لم يعد وارداً.
الى ذلك يقول مصدر دبلوماسي رفيع لـ”أساس”: “ليس هناك من سابقة بإقرار تعيينات دبلوماسية مع نهاية العهود. فلو افترضنا أنّ التشكيلات صدرت اليوم، فهناك مسار يحتاج إلى أشهر قبل التحاق السفير بمقرّ عمله. يبدأ الأمر بإرسال الخارجية كتاباً إلى الدول المعنيّة باعتماد السفراء اللبنانيين للتقصّي عنهم، ويحتاج الأمر عادة إلى نحو ثلاثة أشهر قبل إرسال الجواب. ثمّ يعدّ رئيس الجمهورية أوراق الاعتماد قبل التحاق السفراء بسفاراتهم في الخارج. وعرفاً يصعب جدّاً أن يرسل رئيس جمهورية سفراء من قبله إلى رؤساء وملوك دول العالم وهو يوضّب أمتعته لمغادرة مقرّه الرئاسي”.
يضيف المصدر أنّ “هناك مخاوف جدّيّة أن تُرفَض بعض الأسماء ربطاً بهذا الواقع. وزد على ذلك أنّ الأزمات المالية والسياسية والخلافات المتوقّعة حول توزيع السفراء والمحاصصات الفاقعة ستصعّب جدّاً الاتفاق على التعيينات في مهلة زمنية قصيرة. لذلك فحتّى التعيينات الدبلوماسية الجزئية قد لا تمرّ”. ويعتبر أنّ “إقرار التعيينات كان ممكناً بعد ولادة الحكومة بفترة قصيرة، لكن الآن قد فات الأوان”.
في المقابل، تقرّ مصادر مطّلعة أنّ مقاطعة ثنائي حركة أمل وحزب الله للحكومة اعتراضاً على عمل المحقّق العدلي طارق البيطار لم تمنع إقرار التعيينات في الوقت المطلوب، بل ساهمت في فرملتها، إذ ثمّة قرار مسبق بأن لا تُقَرّ التشكيلات الدبلوماسية الشاملة في العام الأخير من ولاية ميشال عون، وهو واقع سينسحب على العديد من التعيينات الأخرى.
لكن حتى لو حُلَّت أزمة التعيينات فإنّ ذلك لن يغيّر من واقع البؤس الذي تعيشه بعض سفارات لبنان في الخارج.
عمليّاً، بحسب “اساس ميديا” بدأت بوادر الأزمة الماليّة تشتدّ على السلك الدبلوماسي خلال الفترة القصيرة التي قضتها وزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر في قصر بسترس. فلدى تسلّمها الوزارة اعتمدت سياسة عصر النفقات، وراسلت السفراء، وأعدّت دراسة لخفض الرواتب أو ما يُعرف دبلوماسياً بـ”بدل الاغتراب”، إضافة إلى رفع الرسوم في السفارات، منها رسوم إصدار جوازات السفر مثلاً.
ويقول مصدر دبلوماسي رفيع لـ”أساس”: “ليس هناك من سابقة بإقرار تعيينات دبلوماسية مع نهاية العهود
يختلف “بدل الاغتراب” من بلد إلى آخر. فهو الأعلى في دول مثل جنيف وبرن، حيث يُضرَب الراتب الأساسي للسفير بـ3.10%. أمّا في كوريا الجنوبية وروسيا فيُضرَب بنسبة 2.79%، وفي أوروبا بـ 2.35%. ومعظم باقي الدول بين 1.75% و1.90%، وفي إفريقيا 1.60%. مع العلم أنّ البعثات الدبلوماسية الأساسية نفقاتها التشغيلية قليلة، مقارنة بغيرها، خصوصاً تلك الموجودة في مبانٍ تملكها الدولة اللبنانية كما في واشنطن وباريس والعديد من دول الخليج.
بعدئذٍ أتى إعلان الوزير بو حبيب عن نيّته خفض رواتب السفراء من 15% إلى 20%، قائلاً: “إذا لم نتمكّن من تأمين الرواتب سنضطرّ إلى إقفال السفارات”، معترفاً في الوقت نفسه أنّ “بعض الرواتب مضخّمة جدّاً ولا مبرّر لذلك”. وحين سُئل عن راتب سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب البالغ نحو 30 ألف دولار، أجاب “نعم هذا صحيح… بس مش هالقد”.
اما في الموازنة الجديدة فقد خُفِّض اعتماد وزارة الخارجية من 115 مليون دولار إلى نحو 85 مليون دولار، وهو ما يعني خفض بدل الاغتراب. ويتوزّع الاعتماد بين إيجارات ومصاريف تشغيلية ومساهمات واشتراكات ماليّة في منظمات دولية (نحو 40% من أصل النفقة) ورواتب موظفين إداريين وسفراء ودبلوماسيين.
واضافت كاتبة المقال انه تحت وطأة شحّ الأموال فإنّ العديد من سفارات لبنان في الخارج عايشت أخيراً مواقف محرجة مع الدول المستضيفة بسبب العجز عن تأمين النفقات التشغيلية.
الى ذلك يقول أحد الدبلوماسيين لـ”أساس”: “قد نتفهّم جميعنا خفض الراتب، ولا سيّما أنّ بعض السفراء استفادوا من رواتب خيالية وغير مبرّرة، لكن هل يمكن أن لا يدفع السفير مستحقّات الكهرباء والصيانة والإيجارات والنفقات الإدارية..؟!”.
يوضح الدبلوماسي نفسه: “تلعب العديد من السفارات اللبنانية في الخارج دوراً نموذجياً وراقياً تجاوز حتى مسألة التوتّر الدبلوماسي بين لبنان وبعض دول الخليج، فلم تتأثّر العلاقات على المستوى الشخصي والاجتماعي بين الطرفين. وهذا ما يفرض حماية الجسم الدبلوماسي من تداعيات الأزمة الكبرى في لبنان”.
الجدير ذكره أنّ سفارات لبنان في الخارج تَصرف المتوجّب عليها من حساب سلفة، ثمّ تقوم بإرسال لائحة المصاريف والنفقات، ويُسمّى النموذج رقم 2، إلى الإدارة المركزية في وزارة الخارجية التي تدقّقها، ثمّ ترسلها إلى الماليّة التي تحوّلها إلى مصرف لبنان الذي يعود ويسدّدها إلى السفارات.
إقرأ أيضاً: انتخابات زحلة: 7 تغييرات كبيرة
وفق المعلومات، لم يحوّل مصرف لبنان الأموال المطلوبة خلال عام 2021 إلا مرّة أو مرّتين وإلى بعض السفارات فقط، وذلك تحت الضغط والمراجعة.
وأخيراً فإنّ بعض السفارات، التي احتاجت إلى السيولة، استدانت من سفارات ذات واردات عالية، بموافقة وزارة الخارجية، على أن تردّ “ديونها” لاحقاً.