سجال علمي في أميركا قد يفضي إلى مذبحة للأشجار العجوزة.
من المعروف علمياً أن الغابات هي الرئة التي يتنفس من خلالها كوكب الأرض، بمعنى أن الأشجار والنباتات في الغابات تمتص ثاني أكسيد الكربون، الذي يعد من الغازات الملوثة للبيئة والمسببة لظاهرة الاحترار العالمي، من خلال عملية التمثيل الضوئي، وتنتج الأكسجين الذي يتنفسه البشر وسائر المخلوقات على الكوكب.
ولكن تقريراً أصدرته هيئة الغابات الأميركية، وتم عرضه على الكونغرس مؤخراً، ذكر أن الأشجار العجوزة تمتص كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالأشجار الشابة، وبالتالي فإن اجتثاث هذه الأشجار وزراعة أخرى جديدة بدلاً منها، قد يكونان أكثر فائدة للبيئة على المدى الطويل، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.
وكتبت هيئة الغابات في تقريرها الذي أصدرته الشهر الماضي، أن الغابات الأميركية تفقد بسرعة قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ومن الممكن أن تصبح هي نفسها بحلول 2070 مصدراً للكربون بدلاً من وسيلة بيئية للتخلص منه. وذكر التقرير أن حرائق الغابات والأعاصير الضخمة سوف تدمر أيضاً مساحات واسعة من الغابات الأميركية وتعطل قدرتها على امتصاص الكربون من الهواء.
وأشار التقرير كذلك إلى أن الغابات العجوزة تمتص كميات أقل من الكربون مقارنة بالغابات الشابة نظراً لتباطؤ عملية نمو الأشجار في تلك الغابات.
وانتقد مجموعة من خبراء البيئة هذا التقرير، وحذروا من أن الدعوة إلى التخلص من الأشجار القديمة تنذر بتفاقم ظاهرة تغير المناخ، والتوسع في أنشطة قطع الأشجار للأغراض التجارية والصناعية.
ووصف بعض علماء المناخ وجماعات حماية البيئة التقرير، بأنه «مضلل» وغير دقيق إلى حد كبير.
ويقول نورمان كريستنسن، وهو مدرس في كلية علوم البيئة بجامعة ديوك الأميركية، إن هذا التقرير يفسح «موطئ قدم» أمام ازدياد أنشطة قطع الأشجار. وأضاف في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني «ساينتفيك أميركان» المتخصص في الأبحاث العلمية، أن «فكرة قطع الأشجار العجوزة لإفساح المجال لنمو الأشجار الشابة تعد بمثابة إشكالية… وأن أي شجرة يتم قطعها سوف تتحول بالتبعية إلى ثاني أكسيد كربون».
وقد يؤثر هذا السجال العلمي على سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن الخاصة بالمحافظة على الغابات، حيث تعكف هيئة الغابات حالياً على صياغة قوانين فيدرالية جديدة لتحسين سبل إدارة الغابات والمساحات الخضراء من أجل تحقيق المرونة المناخية. وكان الرئيس بايدن قد أصدر أمراً تنفيذياً للهيئة في أبريل (نيسان) 2022، من أجل تحديد سبل حماية الغابات «الناضجة» من أجل تحقيق أهدافه المناخية.
وتقول كارولين راميرز الباحثة في «مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية»، وهي منظمة معنية بحماية البيئة، إن التقرير الأخير لهيئة الغابات قد يبرر انتهاج سياسات جديدة تسمح بقطع الأشجار القديمة، مضيفة في تصريحاتها لموقع «ساينتفيك أميركان» أن مثل هذه السياسة سوف تكون مضللة، لأن الأشجار العجوزة ما زال بمقدورها امتصاص كميات ضخمة من الانبعاثات، فضلاً عن أن قطعها سوف يترتب عليه انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
ويتفق خبراء حماية البيئة مع هيئة الغابات الأميركية على أن الغابات تنطوي على أهمية بالغة في اختزان الكربون والحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، ولكنهما يختلفان بشأن الكيفية التي لا بد أن تتحرك بها الإدارة الأميركية لحماية ملايين الأفدنة من الغابات التي تشرف عليها.
يذكر أن هيئة الغابات تدير 193 مليون فدان من المساحات العامة، وهي مساحة توازي تقريباً حجم ولاية تكساس، وتتضمن غابات وأراضي عشبية ومستنقعات.
ويرى خبراء البيئة من جانبهم أنه يتعين على هيئة الغابات أن تترك الأشجار القديمة تتقدم في العمر. ويؤكد مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الأشجار القديمة «سوف تستمر في امتصاص ثاني أكسيد الكربون بمعدلات مزدادة، بل وتختزن الكربون بوتيرة أسرع من الأشجار الشابة».
ويقول جيري فرانكلين أستاذ علوم البيئة بجامعة واشنطن، إن غابات أشجار التنوب الصنوبرية في ولايتي واشنطن وأوريجون امتصت في القرن الثاني من عمرها كمية من الكربون تفوق الكمية التي امتصتها في القرن الأول. وذكر كريستنسن أن الغابات الناضجة تتكبد أضراراً أقل من حرائق الغابات وتختزن الكربون لفترات أطول، لأن الظلال الواسعة التي تصنعها الأشجار الضخمة حولها تخلق بيئة رطبة تقلل انتشار ألسنة النيران في حالة حرائق الغابات.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، اقترحت هيئة الغابات الأميركية إتاحة 12 ألف فدان من غابات «جرين ماونتن ناشونال فورست» الشهيرة أمام أنشطة قطع الأشجار للأغراض التجارية، ويقول جون وين المتحدث باسم الهيئة إنها تهدف إلى تحقيق التوازن فيما يتعلق بـ«الاحتياجات المتنوعة للبشر» في إدارة المساحات الخضراء بموجب القوانين الاتحادية الأميركية.
ويتضمن تقرير الهيئة، الذي صدر في 348 صفحة، الإجراءات الواجب اتخاذها حيال الموارد الطبيعية المتجددة في الولايات المتحدة مثل المياه والغابات الوطنية، وغيرها من المساحات التي لم يتم تطويرها عمرانياً، ويتنبأ بالتغيرات التي قد تطرأ عليها خلال السنوات الخمسين المقبلة. وجدير بالذكر أن هيئة الغابات تشرف على مبيعات الأخشاب من الغابات الوطنية، وهي تبيع كل عام كمية من الأخشاب تتراوح قيمتها ما بين 100 و300 مليون دولار، بدءاً من السنة المالية 2001، وتعود هذه الأموال إلى الصناديق المالية المختلفة الخاصة بهيئة الغابات.
ويقول زاك بورتر المدير التنفيذي لمنظمة «الأشجار القائمة»، وهي منظمة غير ربحية تهدف للحفاظ على الغابات، إن «هناك بالقطع تضارباً في المصالح فيما يتعلق بهيئة الغابات»، مضيفاً أنه لا يمكن الاستمرار في النظر إلى الغابات كما لو كانت محاصيل زراعية، لا سيما الغابات الوطنية.